"بند الدار لا يسمح".. جملة تختصر عددا من مشاكل وزارة الشؤون الاجتماعية مؤخرا.. جملة ذكرتها إحدى اليتيمات لصحيفة الوطن مطلع هذا الأسبوع في إشارة لنقص متطلباتهن الأساسية، وبهذا تتسع دائرة قضايا التعنيف المتوالية لتضم نوعا جديدا وهو التعنيف بالإهمال ولفئة جديدة وهي الأيتام.

الرأي العام لا يعول كثيرا على لجان التحقيق ونتائجها، سواء من قبل الوزارة نفسها أو حقوق الإنسان، فنحن دخلنا الربع السنوي الثاني لقضايا تعنيف سابقة لمعاقين وهي ما زالت تحت الدراسة والتحقيق وتقاريرها لم تر النور حتى الآن. ولا نعول كثيرا على الحس الإنساني والأخلاقي لدى بعض المسؤولين، فلو كان بالشكل المطلوب لما وصلت نداءات لأيتام تستنجد من التعنيف الجسدي والنفسي من داخل دار كان المفترض أن تكون حصن الحماية. ولا نعول كثيرا على ما ينشر من بيانات، لأن محتواها لا يدعم بالأدلة وإنما هو كلام انشائي لا استقلالية فيه، فالتحقيق والحكم من المدعى عليه من دون أطراف حيادية كهيئة مكافحة فساد أو ديوان مراقبة عامة.

الأهم الآن هو محاولة بناء الثقة في وزارة الشؤون الاجتماعية، فلقد صرفت من رصيد تبريراتها وتسويفها في تحقيقاتها وتقاريرها حتى أصبح حسابها مكشوفا، فما عادت تستطيع التبرير بشكل فاعل ومنطقي، وأصبح تدخل القطاعات الأخرى لإنقاذها متكرر بشكل دوري. حساب الوزارة المكشوف في حادثة جازان أدى إلى كشف حساب الجمعيات الخيرية القائمة بمنطقة جازان، والتي من المفترض أن تكون الرافد لبنود وزارة الشؤون الاجتماعية التي أصبحت لا تسمح بصرف أساسيات المعيشة للأيتام.

ولّى زمن الزيارات والوقوف على دور الأيتام كردة فعل لكل حادث، فنحن نعلم أن الصور لن تنقل كما ذكرت اليتيمات، فأسرع الإصلاحات هي ما تسبق زيارات المسؤولين. وولّى زمن تفنيد الاتهامات من نفس الجهة المدانة ومن نفس المنطقة، فمن النادر أن تدين جهة خدمية نفسها. وولّى زمن التصريح دون أدلة من طرف واحد وتهميش الأطراف الأخرى.

ذكر البيان الداعم من جهة غير الوزارة بخصوص حادثة جازان أن سير الأعمال اليومية والمحاسبية يتم بطريقة منظمة وتحت إشراف مكتب قانوني ويتم الصرف وفق الضوابط التي تم وضعها من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، وهو ما يعد فرصة ذهبية لأن تثبت وزارة الشؤون الاجتماعية موقفها بشفافية لا غبار عليها.

فشلت محاولات وزارة الشؤون الاجتماعية وروافدها في تحسين صورتها وتفنيد ما يوجه لها من اتهامات، فلا يتم إغلاق قضية حتى تهوي أخرى من السماء، وهو الطبيعي في ظل استخدام نفس الآلية الإدارية، ومع ذلك فالآن هي فرصتها النهائية لقلب الطاولة على الجميع.. كيف غاب عن الوزارة اقتناص فرصة كهذه؟!

لتصدر وزارة الشؤون الاجتماعية بيانا يتضمن ميزانيتها ومصروفاتها الخاصة بدار أيتام جازان بما فيها مخصصات الدار من مصلحة الزكاة والدخل، ولتنشر معه الحسابات الختامية للجمعيات الخيرية بجازان القائمة والمساندة للدار ولتدعمها بما تملكه من أوراق المكتب القانوني المشرف على سير عمل الدار لتظهر الحقيقة الكاملة.

هذا البيان التفصيلي لن يعيد الثقة للوزارة فحسب وإنما سيسهم في توجيه أموال الزكوات والصدقات لدعم فئة أجرها عظيم من الفئات المستضعفة. هذا البيان سيؤكد حرص الوزارة ومنسوبيها، وبالأدلة الدامغة، على القيام بواجباتهم والحفاظ على الثقة في خدمة المواطنين الذين غالبا ما يتم التعامل معهم كأجزاء مواطنين. التصريح ببيان كهذا متى ما تم تدقيقه والإشراف عليه من قبل جهة محايدة كديوان المراقبة أو هيئة مكافحة الفساد سيجعلها سابقة تسجل لصالح إحدى أهم الوزارات الخدمية.

أحداث التعنيف المتكررة بفئاتها المختلفة لن تجد حلا ما لم يتم تفعيل نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية حبيس الأدراج منذ عام 2007 ، فمن غير المنطقي ألبتة الشكوى من جهة وجعلها الحكم، ولا يمكن الاعتماد على قطاعات كحقوق الإنسان وهيئة مكافحة الفساد. وبالتأكيد لا يمكن الاعتماد بشكل دائم على الإعلام كأداة ترصد أداء وزارة الشؤون الاجتماعية فما يصله إلا قمة جبل الجليد.

عجز وزارة الشؤون الاجتماعية في الفترة القادمة عن إصدار البيان التوضيحي أعلاه مدعما بالأدلة سيثير عددا من الأسئلة، ولعل أهمها: هل حساب الوزارة مكشوف؟