حققت محافظة القطيف قفزات لافتة وواضحة في التغيرات المتنامية والتطوير خلال السنوات الـ3 الأخيرة، متممة جهودًا بذلت منذ فترة أطول لتحقيق تلك التغيرات، وعلى الأخص بعدما تلقت دفعة هائلة بإعلان ولي العهد، عراب الرؤية السعودية 2030 عن إنشاء مؤسسة تطوير جزيرتي دارين وتاروت في 24 نوفمبر 2022.

وجاء التقرير السنوي لرؤية السعودية 2030 الصادر أخيرًا، ليسلط الضوء على مستوى تحقيق المستهدفات والتحولات النوعية في مختلف القطاعات فقط، كما سجل مؤشرات عالية جدًا في أداء برامجها.

ورسم إنشاء مؤسسة تطوير جزيرتي دارين وتاروت مسارًا جديدًا حفز على تسريع وتيرة العمل، ثم جاء قرار مجلس الوزراء بأن تكون القطيف ضمن المحافظات التي سيطبق عليها التنظيم الإداري ذاته على مستوى محافظات جدة والأحساء والطائف، ليضع القطيف تحت مسؤولية أعلى للتخطيط والتطوير الإداري، وتفعيل التنمية وتحضير المحافظة لتحولات جديدة تعبر عن جودة الحياة.


منظومة عمل

عملت لجنة تطوير المنطقة جاهدة على تحقيق هذا التوجه تحت مسمى المخطط الشامل بعد تكوين مجلس إدارة لها يترأسه أمير المنطقة الشرقية الأمير سعود بن نايف ويضم مجموعة من رؤساء وممثلي الهيئات والوزارات المعنية كوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، ويمثلها أمين المنطقة المهندس فهد الجبير، ونائب وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس منصور المشيطي، والمهندس محمد الخراشي ممثلًا عن وزارة الطاقة، وماجد الغامدي ممثلًا عن وزارة السياحة، والرئيس التنفيذي لمركز دعم هيئات التطوير المهندس ياسر الداود، والرئيس التنفيذي لهيئة تطوير المنطقة الشرقية المهندس عمر العبداللطيف.

صياغة مختلفة

ما يحدث في القطيف ليس مجرد تصورات وخطط تنموية بناء على توصيات ودراسات، إنما هي أعمال قائمة ومكثفة تجري على قدم وساق لتنهض بالمحافظة الخضراء (القطيف) إلى مستقبل يحقق الاستدامة والتمكين، بصياغة مختلفة ورؤية تتناسب مع موقعها الجغرافي المميز على ساحل الخليج العربي، ومساحتها الزراعية الواسعة، مع مراعاة شديدة لأصالة ماضيها وتاريخها الذي تجاوز الـ5 آلاف سنة ميلادية، وذلك بالحفاظ على هويتها وتراثها، واستثمار موقعها الإستراتيجي، من خلال بناء القدرات والإمكانات اللازمة لتطويرها بموجب التحول الوطني المنبثق من رؤية المملكة، حيث استقبلت القطيف مبادرات تنموية نوعية ترسم ملامح مستقبل مزدهر لتكون واجهة فريدة مؤثرة على مختلف الأصعدة والمجالات.

استثمار في التاريخ

فتح إنشاء مؤسسة تطوير جزيرة دارين وتاروت بميزانية تتجاوز الـ2.5 مليار ريال آفاقًا أوسع للاستثمار في تاريخ ثاني أكبر جزيرة في الساحل الشرقي، بما تحويه من عناصر تراثية تصل إلى 11 موقعًا أبرزها قلعة دارين وقلعة تاروت التي يجاورها الحمام التاريخي الشهير بحمام أبو لوزة، والواقع في الحي الأقدم فيها الذي يضم السوق القديم، إضافة إلى تطوير مطار دارين كوجهة سياحية تراثية، وإنشاء مسارات متعددة للمشاة داخل المناطق التراثية في الجزيرة، وإقامة المهرجانات التراثية والثقافية فيها، فيما لا تزال عمليات الكشف والتنقيب التي يقوم بها فريق هيئة التراث قائمة في عدد من المواقع في الجزيرة، حيث ارتفع عدد المتاحف المفتوحة والمرخصة لإبراز جانب من هذه الحضارة العريقة.

وبحسب إعلان هيئة التطوير للجزيرة فإن هذا التوجه التنموي سيسهم في رفع الناتج المحلي بمتوسط يصل إلى 297 مليون ريال سنويًا، وزيادة عدد السياح لما فوق 1.36 مليون سائح مع حلول 2030، إضافة إلى توفير آلاف الفرص الوظيفية.

بيئة مستدامة

على الجانب البيئي، تم إنشاء أكبر غابة مانجروف على ضفاف الخليج، على أن يتم إنشاء عدد من الفنادق والنزل البيئية في المناطق الطبيعية كذلك، بينما يتم تطوير الواجهات البحرية والحدائق العامة وإقامة المهرجانات البيئية التي كان آخرها مهرجان الزهور الذي أقيم في سيهات مع بداية 2024.

وكانت بلدية القطيف عملت على إنشاء وتأهيل آلاف الأمتار من الحدائق في مختلف مدن وقرى القطيف، وتكثيف زراعة الأشجار والزهور الموسمية، وزيادة المسطحات الخضراء، بينما فرض شاطئ الرملة البيضاء نفسه كمتنفس عائلي ترفيهي بيئي على امتداد كيلو متر من الشاطئ المطل على الخليج في جزيرة تاروت منذ افتتاحه في 2021.

في المقابل تم افتتاح أكبر متنزه بيئي في المحافظة بعد أن دشنه أمير المنطقة الشرقية في 21 أبريل الماضي تحت مسمى متنزه أرامكو البيئي - حديقة الرامس، على مساحة تبلغ 300 ألف متر مربع شرق العوامية.

إنتاج الطاقة

جاء إعلان تطوير حقل أرامكو النفطي في القطيف ليحدث نقلة اقتصادية سعودية في مستقبل إنتاج النفط، لتكون القطيف ضمن المدن المصدرة للنفط عالميًا مع ما قدر في جوفها من 8.4 مليارات برميل من النفط في 7 مكامن من الحقل البالغ طوله 50 كلم، وعرضه 10 كلم، فيما يبلغ الإنتاج اليومي 800 ألف برميل.

ولأجل تطوير هذا الحقل عمدت وزارة الطاقة إلى نزع ملكية الأراضي الواقعة ضمن إطار الحفر أو ما أسمته بنطاق التأثر بالمخاطر، والأراضي غير المتوافقة مع الاستخدامات الآمنة لمواقع الآبار وخطوط الأنابيب النفطية وفق إحداثيات حددتها شركة أرامكو، وشملت البلدات الممتدة من البدراني جنوبًا إلى ما بعد مطار صفوى، ومنها أحياء من غرب الأوجام وشمالها، وشمال صفوى إلى ما بعد رأس تنورة، وشمال محافظة البيضاء (الضاحية) حتى حدود الجبيل وبعض البلدات من غرب القطيف.

توسعة وإزالة

الإزالة للأراضي المملوكة في نطاق الحقل النفطي ليست هي الإزالة الوحيدة في القطيف، بل بدأت قبل ذلك بإزالة 521 عقارًا ضمن مشروع تطوير شارع الملك عبدالعزيز، وهو المشروع الأضخم في إطار توسعة الشوارع.

وامتدت العقارات التي تمت إزالتها من حي الشويكة في شارع الرياض جنوبًا إلى مستشفى الأمير محمد بن فهد قريبًا من حي الناصرة شمالًا بطول 4925م وعرض 60م.

كما أطلقت أمانة المنطقة مشروعًا آخر لتطوير الشوارع الشريانية والحيوية في المحافظة وهو شارع الرياض بعد استكمال كافة إجراءات نزع ملكية ما يقارب 59 أرضًا وإزالة الدوار، ويربط الشارع جزيرة تاروت بمدينة القطيف حتى بلدات الخويلدية الجارودية وحلة محيش وصولًا إلى طريق الجبيل الدمام السريع، ويبلغ طول شارع الرياض 5 كلم، وعرضه 40 مترًا، فيما بلغت مساحة إزالة 59 عقارًا 20 ألف متر مربع.

ومعه كذلك مشروع طريق شمال الناصرة بطول 5 آلاف متر وعرض 60م، ومشروع تأهيل وتطوير شارع القدس بطول 4.5 كلم وعرض 60 مترًا لكلا الجانبين.

سبق كل ذلك توسعة شارع في بلدة أم الحمام بوسط القطيف بطول 1.340 كلم وعرض 30 مترًا بعد نزع ملكية 17 عقارًا في شارع الحسن البصري قرب الجش.

كما عمدت أمانة المنطقة إلى تنفيذ مشروع محطة تصريف الأمطار في بلدة النابية بقدرة تصريفية بلغت 1080 مترًا مكعبًا في الساعة، فضلًا عن رصف وسفلتة وإنارة شوارع القطيف.

وتأتي هذه الأعمال والمشاريع المتعلقة بالقطاع البلدي في المحافظة بهدف التطوير والتوسعة وفك الاختناقات المرورية وتحسين المشهد الحضاري بعيدًا عن التشوهات البصرية، ويما يحقق نقلة في عدد من المواقع الحيوية والمرافق العامة والبنى التحتية.

إنجاز بعد تأخير

من جانبها، تواصل الهيئة العامة للطرق استكمال مشروع جسر صفوى الذي يعد بمثابة الرابط بين القطيف ورأس تنورة كونه يختصر الطريق بين المحافظتين بطول 16 كلم، ويمتد جزء منه على اليابسة وآخر على البحر بتكلفة تبلغ 552 مليون ريال.

ويدخل المشروع حاليًا طور المرحلة النهائية بعد كثير من التأجيلات والتوقف استمر قرابة 16 سنة بعد ترسية المشروع في 2008 فيما يتوقع الانتهاء الفعلي منه في 2025.

على نفس السياق كان عمل جزيرة الأسماك بالقطيف التي تأخر العمل عليها لمدة قاربت 12 عامًا، وبمجرد أن رأت النور في 2021 وقفت المحافظة على أكبر سوق مركزي للأسماك على مستوى الخليج بمساحة تجاوزت 6 آلاف متر مربع، وهو يضم 80 محلًا و25 موقعًا لبيع أسماك الجملة، ويقع في جزيرة اصطناعية في قلب جزيرة تاروت ليكون نافذة اقتصادية ضخمة ومعلمًا بارزًا في المنطقة.

ويستمر العمل على استكمال مشاريع سبق أن شهدت تعثرًا في إنشائها، ومنها مركز الأمير سلطان الحضاري، ومبنى بلدية محافظة القطيف الجديد، ومشروع إنشاء أسواق الخضار والفاكهة وأسواق اللحوم.

فرص استثمارية

تمتاز القطيف بعدد من الفرص الاستثمارية الترفيهية والتجارية والصناعية والخدمية، وقد طرحت بلدية القطيف جملة من هذه الفرص أمام المستثمرين في منافسة عامة، كما عملت على تهيئة واجهات حضارية وسياحية جاذبة كما هو الحال في مشروع وسط الرامس، الذي تم إطلاقه في 2021 ومثّل نقطة تحول كبيرة في تعزيز المكانة السياحية في المنطقة عامة والقطيف خاصة بعدما حقق نجاحًا كبيرًا في استقطاب المواطنين والوافدين من مرتادي المكان من خلال الفعاليات والمهرجانات المتنوعة، وكذا استقطاب عدد من المستثمرين في مجالات عدة منها المقاهي والمطاعم ومحلات الحرف اليدوية وصناع الإبداع الثقافي والفني ليكون مركزًا حضاريًا وثقافيًا واجتماعيًا منفردًا على مساحة 180 ألف متر مربع بتصميم يحمل طابع الهوية الخليجية بمعالم تراثية.

ناد رياضي

على المستوى الرياضي، وقع الاختيار على نادي الخليج بسيهات لينضم إلى مجموعات الأندية التي شملها قرار وزارة الرياضة بتطوير المنشأة ضمن إستراتيجية دعم الأندية السعودية وتأهيلها لاستضافة مباريات الفريق الكروي في دوري المحترفين الذي يضم فرقًا بنجوم عالميين.

وسيحظى الخليج باستاد متكامل بعد أن أعلنت الوزارة تخصيص 160 مليون ريال للتطوير الشامل لمنشأتي الخليج والرياض، فيما ظهر التصميم النهائي المعتمد لملعب نادي الخليج ليكون أحد الملاعب المعتمدة في كأس آسيا 2027 مضاهيًا بذلك الملاعب العالمية وواجهة مشرفة لأندية المنطقة.

صحة وتعليم

فيما لا يزال أمر إنشاء جامعة بالقطيف عالقًا بين إجراءات ومناشدات، استمرت إدارة التعليم ممثلة بمكتبها في القطيف بتأهيل مباني التعليم في المحافظة، وتدشين أخرى بما في ذلك افتتاح ودمج الفصول المبكرة.

وعلى مستوى الصحة، تشهد المحافظة استكمال المتعثر من مشاريع المراكز الصحية والمتوقع الانتهاء منها منتصف العام الجاري، فيما تم تدشين مستشفيات جديدة ذات تخصصات معينة، منها مستشفى الأمير محمد بن فهد للأمراض الوراثية، ومجمع السلمان الطبي للكشف عن الأورام، ويمثلان أكبر مستشفيات من نوعها في المنطقة.