بينما تشكل محلات قطع الغيار المستعملة (التشاليح) حلا لكثيرين حين تتعطل مركباتهم، ويحتاجون إلى استبدال ببعض قطعها أخرى مستعملة لكنها صالحة للعمل، فإن هذا الحل حسب كثيرين لا يبدو على الدوام مثالي، أو يمكن أن يغني دوما عن الحلول الأخرى مثل اللجوء إلى وكالة السيارة، أو محلات بيع قطع الغيار الشبيهة بالأصلية.

ولعل أولى المشاكل التي تواجه من يلجأون إلى «التشاليح»، التي غالبا ما تكون على بُعد كيلومترات خارج النطاق السكني، هي البحث أحيانا لوقت طويل عن قطعة مناسبة، ثم مشكلة التفاوض على سعرها، وكذلك مشاكل تباين سعر القطعة الواحدة بين محل وآخر، ناهيك عن غياب الضمان على كثير القطع، ورفض استرجاعها، بالإضافة إلى ممارسات شبه احتكارية تمكن التجار المتحكمين بسوق التشاليح من تجفيف السوق أو إغراقها، وممارستهم لعبة التحكم برفع أسعار القطع، خصوصا تلك التي لا تتوافر في الوكالات.

وتبدو هذه المشاكل واضحة بجلاء في التعامل مع «التشاليح» على الرغم من خضوعها مثل وكالات السيارات وورش الصيانة لنظام رقابي، وإلزامية إصدار التراخيص التي تسمح لها وللعاملين فيها بمزاولة هذه المهن.


ويقسم المستهلك العاملين في منطقة التشاليح بين من يراهم يتمتعون بالمصداقة المهنية، وبين من يراهم مجرد انتهازيين يمكن استغلال حاجة المستهلك.

انقسام السوق

ينقسم سوق «التشاليح» إلى قسمين: آسيوي (تعمل به وتديره العمالة الآسيوية)، وإفريقي (يعمل به العرب الأفارقة)، وهو ما زاد الملاحظات والأسئلة الاستنكارية مع احتمالات واسعة لوقوع حالات غش، وغيرها من الممارسات غير الصحيحة.

ويتجلى الجشع بشكل جلي في سوق التشاليح، حيث يمارس بعض تجاره منهجية الاستيلاء على كل ما يقع بين أيديهم من القطع، وبالتالي يحتكرون قطع منتج بعينه، ويتحكمون بتوافره، وبالتالي يتحكمون بسعرها بالقدر الذي يريدونه.

لعبة حظ

يوضح علي حسين، وهو مالك مركبة، أنه «عندما لا تتمكن وكالة السيارات من توفير طلبنا، وتزويدنا بقطعة الغيار المطلوبة، وحيت لا توفر ورش المدن الصناعية تلك القطعة، فإننا نضطر إلى اللجوء للتشاليح، فمثلا نحن في القطيف نضطر إلى اللجوء لتشاليح مدينتي بقيق والجبيل، بمعنى أن يتوجب علينا أن نقطع مسافة لأكثر من 60 كلم بين القطيف وسكراب بقيق على سبيل المثال، بحثا عن قطعة قد لا نجدها».

ويضيف: «الحصول على القطعة المطلوبة في السكراب أو التشاليح بمثابة لعبة حظ، إما أن تجدها فتحل مشكلتك، وإما أن تقطع كل هذه المسافة ذهابا وإيابا بلا جدوى، وبعد أن تجدها فقد تجدها مرتفعة الثمن بشكل يفوق سعر السوق، ولا يمكنك التفاوض على سعرها، وذلك لمعرفة البائع بحاجتك إليها واستغلاله الموقف، أو تجدها بسعر أرخص لكن دون أي ضمان، فتضطر إلى المجازفة بالشراء على أمل أن تكون القطعة صالحة».

تفاوت الأسعار

يكمل علي حسين: «تنقسم أسواق التشاليح بين سوق للعمالة الإفريقية العربية، وأخرى تسيطر عليها العمالة من الجاليات الآسيوية. وعلى الرغم من أن المحال هناك جميعها مرخصة، والعاملين فيها نظاميون من حيث الإقامة والكفالة، فإن ذلك لا ينفي وجود غش في الأسعار، حيث تختلف الأسعار بين الجانبين بشكل واضح ولافت، فكثيرا ما تجد القطعة هنا بسعر ما، وتجد القطعة نفسها بسعر مرتفع في السوق الأخرى».

ويستشهد: «أملك سيارة لكزس، وكنت قد عجزت أن أجد القطعة التي أريدها في ورش المدن الصناعية، وهو ما دعاني إلى اللجوء إلى التشاليح، وفعلا وجدت القطعة المطلوبة، ولكنها بضعف السعر في سوق قطع الغيار. ولأن القطع غير متوافرة، اضطرتني الظروف لشرائها. وعلى الرغم من محاولاتي تخفيض السعر، فإن البائع رفض أي تفاوض حول سعرها، لعلمه مدى حاجتي إليها لقلة توافرها في السوق».

ولفت إلى أن سيطرة التجار على السوق أضعفت إمكانية الحصول على المنتج ووفرته، حيث يشتري تاجر ما مجموعة كبيرة من القطع المختلفة لمنتج معين، بحيث يستحوذ على سوقه، ويتحكم بأسعاره.

الأنظمة والضوابط

يشير محمد خليل، مالك ورش تصليح سيارات في مدينة سيهات، إلى أن «العمالة الوافدة تستحوذ على أكثر من 90% من العمل في سوق التشاليح، والأغلبية منها لديهم الخبرة والمعرفة في إدارة وتسويق قطع الغيار، ومع أن خبرتهم في سوق التشاليح للمركبات جعلتهم أكثر تمكنا ودراية بالأنظمة والضوابط، فإن بعضهم يتحكم ويفرض ما يريد في السوق، حيث يعرف كيف ومتى ولمن يبيع وممن يشتري».

ويرى خليل أن هذا العمل ما زال رحبا لانتشار عمليات الغش، حيث يمكن أحيانا لبعض العاملين في التشاليح استقبال قطع غيار من سيارات مسروقة دون سؤال عن مصدرها، ثم يعيدون بيعها، وهذا ما يبرر أن القطع تباع دون ضمان عليها. ويقول: «يحدث هذا على الرغم من أن القرارات الرسمية والأنظمة ألزمت التشاليح أو (السكراب) بعدم استقبال أي سيارة أو مركبة إلا بورقة من المرور، بعد إسقاط لوائحها لتكون متاحة للاستفادة من قطعها، وذلك لمنع بيع السيارات المسروقة كقطع للغيار بعد تفكيكها وفرز قطعها، وصيانة ما يمكن صيانته منها، ثم إعادة بيعها، لكن وجود هذه القرارات والأنظمة لا يعني ضمان الأمانة في العمل، وهو ما يجعل من مهمة الحصول على قطع غيار مستعملة هاجسا محفوفا بالخوف من الغش والاحتكار».

مشكلة الكشف

يذكر هيثم حسن أن «مشاكل التشاليح لا تقتصر على مدى توافر القطع المطلوبة وضمانها، والتأكد من كونها أصلية أم مقلدة، ولا حتى في تفاوت الأسعار، بل تظهر مشاكل أخرى كأن يكون الكشف عن الخلل وطلب قطعة بعينها غير صحيح، فيشتريها صاحب المركبة ثم يتبين أنه لا يحتاجها بعدما دفع فيها ثمنا مرتفعا، وبذل جهدا في عمليات بحث طويلة عنها، وهنا قد لا يمكنه إعادتها للبائع واسترجاع ما دفعه فيها، حيث يفاوضه البائع على إعادة شرائها منه، ولكن بثمن بخس يختلف كثيرا عما دفعه فيها. ولأنه لا يعرف كيف يتصرف بها، ولا متى يحتاجها، فإنه يضطر إلى القبول بأي سعر يعرض عليه».

وأضاف: «هناك كذلك مشكلة أكبر تتعلق بقطع الغيار الكهربائية التي يمكن أن يشتريها للمستهلك من الوكالة، ثم يتبين عدم الحاجة إليها، حيث لا تقبل الوكالة استرجاعها، فيضطر إلى بيعها في التشاليح بخسارة أكيدة».

ولفت «إلى أن نقص خبرة المواطن وجشع البائع يضعانه في فك الخداع. كما أن عزوف الشباب السعودي عن ممارسة البيع في منطقة التشاليح، وعدم تحمله صعوبات المكان يهددان مستقبل هذه المهن التي بات عدد الممارسين الأكفاء فيها يتناقص، وهو ما يختلف عن وضع البائع أو الميكانيكي الذي يعمل في مشروعه الخاص، وغالبا هؤلاء هم من المالكين أو العاملين في ورش التصليح والصيانة أو حتى ورش بيع قطع الغيار في ورش المدن الصناعية التي تمكنهم من كسب خبرة أكثر وإتقان مهارات التسويق، والعمل بإتقان وبشكل دقيق ووفق الضوابط».

فائدة التشاليح

من جانب آخر، يؤكد المواطن حسين المبارك أن لـ«التشاليح» كثيرا من الفوائد على الرغم من كل الملاحظات السلبية عليها، إذ يقول: «لا تبيع الوكالة أحيانا القطعة إلا كاملة وبسعر مرتفع، بينما قد تكون الحاجة لجزء صغير منها فقط، وهذا ما توفره التشاليح وبسعر أرخص».

ونوه إلى بعض الوكالات التي لا تتوافر لديها جميع القطع، وقد يتسبب رفع طلب القطعة من فروع أخرى إلى تأخر وصولها، وتعطل مصالح قائد المركبة.

التروي وعدم الاستعجال

نصح رضا حسين بعدم الاستعجال في شراء القطعة المطلوبة من أول محل تشليح، وقال: «بناء على تجربتي الشخصية، حين تجد القطعة المطلوبة أنصحك بالتروي والبحث أكثر، ولا بأس من أن تجري جولة في أكثر من محل تشليح، فربما ما تجده في محل بسعر مرتفع قد يكون بسعر أقل في محل آخر».

أما خالد الحمين فيرى أن آلية العمل في محلات التشليح جيدة ونظامية اليوم أكثر مما سبق، وعلق: «على الرغم من قلة العاملين من الشباب السعودي في هذا المجال، فإن حركة البيع والشراء في التشاليح تؤكد أن العائد من هذه المهنة جيد جدا، ولا يحتاج سوى المتابعة والجهد المكثف»، مشددا على أنها تخضع لرقابة وتنظيم من عدة جهات.

ويخالفه سراج العيد في الرأي، إذ يقول: «وجود الرقابة يحد من عمليات الغش لكنه لا ينهيها»، معترفا بأن أصحاب النفوس الضعيفة يستغلون حاجة الزبائن إلى قطعة معينة برفع سعرها فوق المعقول، بينما يستغل آخرون عدم وجود القطعة في الوكالة برفع سعرها أضعافا مضاعفة، مستدركا: «السيارات التي تشتريها محلات التشليح تقطع وتفكك ويستفاد من قطع غيارها، بينما تذهب بقية الأجزاء إلى المكبس أو تباع بالوزن إلى محلات متخصصة بالحديد، وبالتالي فهذه المحلات تربح من كل الوجوه». 


لائحة واشتراطات

من جهتها، سعت منصة «أبشر» إلى ضمان عدم الغش ونظامية العمل في محلات التشاليح، حيث أطلقت بالتعاون مع الإدارة العامة للمرور في الأمن العام خدمة إسقاط المركبات التي تتيح للمواطنين والمقيمين التعرّف على المراكز المعتمدة لدى منصة «أبشر» في مختلف مناطق المملكة لإسقاط جميع أنواع المركبات المهملة والتالفة (خصوصي، ونقل عام، ونقل خاص، وحافلة صغيرة عامة، وحافلة صغيرة خاصة، وأجرة، وأشغال عامة، ودراجة). وبحسب الاشتراطات المطلوبة، يجب أن تكون رخصة سير المركبة سارية المفعول ما لم يكن هناك استثناء نظامي صادر بهذا الشأن، ومن الاشتراطات كذلك أنه:

- يجب أن يكون مالك المركبة على قيد الحياة.

- يجب ألا يكون على المركبة طلب إسقاط قيد الإجراء.

- يجب على مالك منشأة بيع المركبات الملغى تسجيلها (التشليح) ومكابس الحديد الموافقة على التعهد بتسليم لوحات المركبة المسقطة للمرور خلال 5 أيام عمل من تاريخ إتمام عملية المبايعة.

ويتم الإجراء من خلال التوجه مباشرة إلى منشآت بيع المركبات الملغى تسجيلها (التشليح) ومكابس الحديد، حيث يتم إسقاطها فورًا من قائمة مركباتي في منصة «أبشر» بعد تسليم المركبة لمنشآت بيع المركبات الملغى تسجيلها (التشليح) ومكابس الحديد المعتمدة، ويتم الإجراء فورا بعد إعطاء رمز التحقق إلى منشآت بيع المركبات الملغى تسجيلها (التشليح) ومكابس الحديد المعتمدة، مع ملاحظة أنه لا يمكن إسقاط مركبة دون لوحات، ولم يتم الإبلاغ عن فقدان اللوحة، لذا يتوجب الإبلاغ عن فقدان اللوحة أولا، ثم التوجه إلى منشآت بيع المركبات الملغى تسجيلها (التشليح) ومكابس الحديد، لإسقاط المركبة.