وجواباً على سؤال العنوان بعاليه سأقول ما يلي: أولاً، أكتب لأن مصر تخط لعالمها العربي من حولها خطاً في الرمال، وأنا لا أكتب عن الحالة المصرية، بل عن المؤثرات التي ستتركها العملية القيصرية المصرية على مولود الربيع العربي. أكتب ثانياً لأنني مؤمن أن الانتخابات المصرية كانت شفافة نزيهة، ولكنها لم تكن ديموقراطية مكتملة. فاز أحمد شفيق بنصف الأصوات، ومع هذه النسبة الكاسحة لا تبرهن عن النسبة الحقيقية التي كان سيحصدها لو أن الانتخابات برمتها كانت في أجواء ديموقراطية مكتملة.
الديموقراطية الحقيقية هي من تعطي المرشح فرصة كاملة لأجواء من حرية التعبير، والديموقراطية الحقة هي تلك التي تسمح للمرشح بحملة انتخابية مكتملة يتساوى فيها جميع المنافسين في الوصول إلى الإعلام والمنابر وقواعد الانتخاب العامة لملايين المقترعين. كل هذه الشروط الجوهرية لأركان العمل الديموقراطي الحقيقي لم يحصل عليها أحمد شفيق. قلة جداً جداً من النخب المصرية هي من قالت إنها ستصوت لأحمد شفيق، وقلة جداً جداً هم من امتلكوا الشجاعة ليقولوا رأيهم في الهواء الطلق أمام الملايين. خاض أحمد شفيق حملته في جو هائل من التخوين والتخويف ولم يتنبه أحد إلى النسبة المئوية لأنصاره بعد إعلان النتائج. لا يمكن أن يكون نصف الشعب (فلول)، ولكنها ديكتاتورية الثورة التي حلت مكان ديكتاتورية الفرد. ومرة وحيدة استطاع أحمد شفيق أن يخترق جدار الإعلام ليظهر في مقابلة تلفزيونية يتيمة في مقابل الآلة الإعلامية الجبارة لعشرات المتحدثين باسم الحملة المنافسة لمحمد مرسي. كان أحمد شفيق يخوض الحملة الانتخابية هارباً إلى الخلف بينما المنافس يوجه إلى الأمام رغم أن عموم الشعب المصري يعرف أن شفيق كان نزيها وطنياً ورغم نبش آلاف الأوراق والملفات لم يستطع أحد أن يأتي ضده بتهمة شاردة. كان فرداً مستقلاً في مواجهة حركة هائلة متغلغلة متحالفة مع عشرات القوى والأحزاب ومع هذا لا تغفلوا الحقيقة: هو الفائز بما يلامس نصف أصوات الشعب. خذوا في النهاية مجرد تحليل الصورة التلفزيونية على الشاشة المقسومة في لحظات إعلان الاسم الفائز: أنصار محمد مرسي في مليونية ميدان التحرير وهم يتأهبون على (نصف الشاشة) لخطوة ما بعد الإعلان وفي المقابل بضع عشرات من الأفراد أمام مقر حملة أحمد شفيق في مدينة نصر. لماذا خاف نصف الشعب بالتقريب من الاحتشاد أمام مرشحهم رغم أنه حصد نصف الأصوات ولماذا بدت كل الصور باختلال واضح رغم عدالة القسمة في عدد الأصوات لكلا المرشحين؟
سنأخذ السؤال الأخير: كم هي النسبة البسيطة التي كان يحتاجها أحمد شفيق لو أن ظروف حملته الانتخابية كانت عادلة متكافئة بما تقتضيه أبسط قواعد العمل الديموقراطي ومن هو الفائز الذي سيكون لو أن هذه الأجواء كانت متاحة بالتكافؤ بين الفريقين.