وكان الوعي بالعلاقات الناشئة بناء على طرق التفكير أحد أهم مباحث الفلسفة وعلم النفس، ومثل كل شيء اختلف الناس عليه، فقد اختلفت طرقهم في التعامل مع أفكارهم، وتنوعت رؤاهم حول الأشياء، فيما يشبه الترحال عبر عقولهم بغية فهم العالم وتغييره، والسؤال هنا هو هل تأملت يومًا رحلتك الفكرية؟.
لقد اكتشفنا اليوم أن تفكيرنا هو ما صنع واقعنا، وأن طريقتنا في تعاطي الأفكار تؤثر على سيكولوجيتنا وعلى صحتنا وعلى خياراتنا الشخصية، وبحسب سبينوزا فإن طريقتنا في التفكير هي ما يسبغ المعنى على أي فكرة، كما أن المعاني تتعدد للفكرة الواحدة.
ولعل هذا الفهم يفيدنا في مراقبة حياتنا وعلاقاتنا ومشاعرنا، ويساعدنا إذا ما تمكنا من إتقان اللعبة على تحسين أثر الأفكار علينا، وإحداث تغيير حقيقي فيما نراه سلبيًا أو مخيفًا،
كما لا ننسى أن الكيفية التي نتناول بها أفكارنا هي نتاج تراكم تجاربنا، وهذا أمر آخر يجب أن نراقبه لنتمكن من عزل التجربة السيئة، وتعزيز التجربة الإيجابية، وأقصد بالتعزيز هنا إثراء التجربة بالتكرار والتغذية الحسية كلما أمكن.
على سبيل المثال راقب مشاعرك عندما تتأمل صورًا قديمة لك كنت فيها سعيدًا في رحلة ما أو مناسبة ما، الحقيقة أنك تستعيد الحالة الشعورية نفسها أو جزءًا كبيرًا منها، وربما الحالة الجسدية نفسها أيضا، أو راقب مثلا مشاعرك عندما تختبر حالة تجديد في منزلك أو ملابسك أو محيطك، الأمثلة كثيرة لقدرة الإنسان على إحداث تأثير متعدد الاتجاهات في نمط تفكيره وخلق مساحات من التطور والنمو كلما تلقى فكرة أو أرسلها، وهو ما يشكل في المحصلة نمط إرادته وقدرته على إحداث التغيير.
يمكننا إذن أن نقول وبوضوح إن لكل منا رحلة فكرية خاصة، وإن نتائج هذه الرحلة وظروفها هو ما يصنع القوة والتأثير، وينتج التغيرات من حولنا، و هو ما يمنحنا القدرة على إعطاء أحكام ذاتية غير مقيدة، كما يمكننا أن نقول بالإمكانية الدائمة لنقد الرحلة والنظر إليها بموضوعية.
العظماء عبر التاريخ لم تصنعهم الظروف الخارجية بل صنعتهم أفكارهم، وحدها أفكارهم كانت مصدر التفرد الذي أعاد إنتاج قيمهم ومبادئهم، أما الظروف فلا شك أنها مرت مماثلة على غيرهم مرور الكرام، إذن قل لي كيف تفكر أقل لك من أنت.