منذ ليلتين عادت ملامح وصوت سلمان بن عبدالعزيز إلى المكان الذي ألفته جيدا في حياتها، إلى منطقة قصر الحكم، هذه المرة ليس أميرا للرياض، ولا وزيرا للدفاع وحسب، بل عاد ليستقبل المبايعين له وليا للعهد.

منذ ما يقارب من ثمانية أشهر حمل سلمان بن عبدالعزيز أوراقه وملفاته مغادرا مكتبه الذي ألفه قرابة خمسة عقود في منطقة قصر الحكم بالرياض، ليتجه إلى مكتب آخر لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن مكتبه الأول: مكتب وزير الدفاع بالناصرية.

دخل الأمير سلمان إلى ذلك المكتب وكان محفوفا بالتهاني والتبريكات بهذا المنصب، لكن قلبه كان محفوفا بكثير من الحزن وهو يرى ملامح أخيه الراحل سلطان بن عبدالعزيز تحيط به في كل زوايا المكتب الجديد. ويدرك أن وزارة الدفاع تعني قوة الدولة وذراعها وتختزل كل معاني الصمود والفداء والقدرة على التجدد.

في غضون الأشهر الثمانية كان سلمان بن عبدالعزيز قد وقف على واقع القوات المسلحة في شمالي المملكة وجنوبها، وفي شرقها وغربها، والتقى بكل القيادات وأخذت إجراءاته ورؤيته الجديدة تظهر كملامح جديدة في قوة الدفاع الوطنية العظمى.

كانت أقدار الله أسرع، انتقل نايف بن عبدالعزيز إلى جوار ربه. العيون التي كانت تحيطها نظرات الحزن بذلك الرحيل الفاجع، كانت أيضا تركز النظر على ملامح سلمان بن عبدالعزيز لقد كانت تلك عيون كل السعوديين بدءا من مليكهم الكبير خادم الحرمين الشريفين وصولا إلى كل سعودي، كانت تتطلع إلى سلمان بن عبدالعزيز على أنه إجابة كبرى أمام السؤال الكبير الذي ملأ العالم على مدى يومين.

اختيار خادم الحرمين الشريفين كان واعيا وسريعا كعادة قرارته التاريخية، أدرك الملك – وفقه الله – أن كل تاريخ سلمان بن عبدالعزيز، وقيمته الكبرى في نفوس الناس وسنواته الطويلة حاكما ناجحا ووطنيته التي انطلقت من الرياض وأحاطت بالوطن، كلها عوامل تجعل منه أميرا تحتاج إليه المرحلة وليا للعهد، وحين يرحل الكبار لا يمكن أن يسد مكانهم إلا كبار أيضا. كانت تلك رؤية الملك وكان ذلك واقع سلمان بن عبدالعزيز.

في الحكم السعودي لا توجد كواليس لا يعرفها السعوديون، هم جزء من المشهد وعلى اتصال دائم به، فلقد ردد الناس اسم الأمير سلمان وليا للعهد وتواصلت توقعاتهم إلى أن صدر الأمر الملكي الكريم، باختياره لولاية العهد وتعيينه نائبا لرئيس مجلس الوزراء إضافة إلى حقيبة الدفاع.

تلك التوقعات الصادقة من الناس تؤكد حالة التوافق بين رؤية الناس لقيادتهم وإيمانهم بأن وعيا مشتركا يجمعهم بها، ولا مبالغة في القول إن ذلك الاقتراب من الناس هو أحد دعائم الاستقرار في السعودية.

ما يقرب من ثلاثين جلسة من مجلس الوزراء حضرها الأمير سلمان بن عبدالعزيز وزيرا للدفاع، سوف يحضرها الآن وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، وعلى يمين أخيه خادم الحرمين الشريفين، ليستكمل مسيرته التي عرفها التاريخ السعودي عملا وتواضعا وصدقا.

سلمان بن عبدالعزيز وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، ومنذ ليلتين اكتظت منطقة قصر الحكم وهي تستقبل مئات الآلاف من السعوديين الذين توافدوا من كل مكان ليبايعوا سموه.

منطقة قصر الحكم تلك المنطقة المتواضعة التي حافظ سلمان بن عبدالعزيز على تواضعها وعلى كونها تعكس العمق التاريخي للرياض.

الرياض التي حفظها ذاكرة وتاريخا وأسماء. سلمان بن عبدالعزيز الذي يحفظ أيضا أسماء أجدادنا وأحلامهم.

إن بناء عاصمة يعني بناء قلب الدولة، ولقد بنى سلمان بن عبدالعزيز وعبر عهود مختلفة لإخوانه من الملوك، بنى شرايين هذه المدينة ولغتها وهواجسها نحو المدنية.

الآن، وكما يحمل الأمير سلمان على كتفيه خمسين عاما من العمل، ومن الإمارة، نحمل نحن الآن أكثر من ذلك تقديرا وامتنانا ويقينا بأن واقعنا وما يشهده من تحديات، ومستقبلنا وما سيشهده من استحقاقات بحاجة إلى ولي عهد بكل ضخامة سلمان بن عبدالعزيز.