تؤدي المراكز والمنتديات والملتقيات والصالونات والمقاهي الثقافية، دورًا بارزًا في إثراء الحياة الثقافية في مدينة الرياض.

فقد أحدثت تحولًا كبيرًا في حراك المدينة الثقافي، وإن كان هذا التحول تطورًا طبيعيًا جاء بشكل تدريجي كمحاكاة وامتداد لمبادرات ومشاريع ثقافية وفكرية، نهضت بها شخصيات ثقافية رائدة أمثال الشيخ حمد الجاسر والشيخ عبدالعزيز الرفاعي والدكتور راشد المبارك.

وقد اعتبرت اليوم المنتديات والصالونات الثقافية والملتقيات الفكرية والمقاهي الثقافية؛ نقلة نوعية في الحراك الثقافي وعاملًا أساسيًا وحيويًا في نشر الثقافة والمعرفة بصورة شاملة في مدينة الرياض، حيث ينظر لها كمشروع ثقافي وفكري يمر عبر منظومة من المحاضرات والندوات والنقاشات والأوراق العلمية والأطروحات والاستضافات والحوارات، لتمتين النسيج الثقافي وإثراء الحياة العامة وتنوير الرأي العام، وقد تحررت تلك المنتديات والملتقيات والصالونات الثقافية من كونها انبهارًا مقلدًا أو جهازًا للدعاية الاجتماعية أو وسيلة للظهور وكسب الشهرة أو الإحساس الوهمي بالذات وأخذت دورها الطبيعي ومكانها اللائق بها في مدينة الرياض.


فعلى الرغم من أن الثقافة في مدينة الرياض تقليد قديم وعريق ومكون من مكونات الحياة العامة، إلا أن دواعي التنوع الثقافي اليوم حاضرة وقوية وديناميكية وشديدة التفاعل لا يضاهيها في التوسع والتنوع والانتشار أي مدينة أخرى.

إذ يبلغ حصاد التفاعل والتبادل الثقافي في هذه المدينة المتطورة أعلى مستوياته، فقد أصبحت الثقافة ذات مساس مباشر بحياة الناس، حيث تأخذ حجمًا وأهمية يفوقان كل اعتبار آخر.

فالثقافة في هذه المدينة لها طعم خاص نابع من خصوصية وظيفتها، وخصوصية جمهورها وخصوصية القضايا المطروحة فيها، والتي تنطلق وفقًا لموروثنا الثقافي والأخلاقي والديني.

لذلك تعددت المنتديات والملتقيات والصالونات الأدبية والمجالس العلمية والمقاهي الثقافية في مدينة الرياض، وشهدت ازدهارًا وتطورًا مذهلًا، وأثْرت الساحة الثقافية والأدبية بندواتها وفعالياتها في نسق حواري هادئ وهادف عبر المناقشة والاحتكاك الإيجابي، شكلت الصورة الثقافة لمدينة الرياض.

ولكن هذه التنوع الثقافي الكبير ما أثره الثقافي على مدينة الرياض؟

ولن أستطيع أن أزعم أن بمقدور باحث واحد أن يجيب على هذا السؤال في ظل قلة الدراسات المتوفرة.

إذ إن تحديد الموضوع بهذه الصورة يجعل الحصول على المعلومات والبيانات الإحصائية أمرًا عسيرًا إذ لم يتوفر باحث على دراسة الموضوع بهذا التخصص الدقيق ولهذا السبب الموضوعي رأيت أن أتناول الموضوع من ناحية نظرية عامة.

وهذا يقودني إلى الوقوف على علاقة المدينة بالمراكز والأندية والملتقيات والمنتديات الثقافية، والتي هي في تصوري متجذرة في هذه المدينة وملازمة لتاريخ المدينة الثقافي، وجزء من مزاج المدينة، وكان إطلاقها بمنظور علمي ومنهجي يعبر عن حاجة فكرية وثقافية في محاولة لتقديم نموذج ثقافي عالمي على شاكلة المدن العالمية.

ولكن ما لم يكن متوقعًا هذا الانفجار الثقافي الهائل على مستوى المنتديات والصالونات والمجالس والملتقيات والمنصات والندوات والمقاهي الثقافية، حيث تحولت فيه أحياء مدينة الرياض إلى منصات ومراكز ثقافية فإذا ما أخذنا مثلًا حي الغدير نجده يضم منتديين كبيرين؛ هذا الاهتمام المتزايد بالمنتديات والمجالس والمقاهي الثقافية «book coffee» في السنوات الأخيرة يعزى إلى الدور الحيوي للقطاع الخاص، وإن كانت هنالك مشاريع ثقافية فردية، خاصة المقاهي الثقافية التي قام بها شباب وفتيات يتميزون بالنشاط الكبير والذوق الرفيع والحيوية المستمرة.

ولكن تظل المنتديات والملتقيات الثقافية والصالونات الأدبية ظاهرة في مدينة الرياض، حيث تعقد بشكل أسبوعي أو شهري أو موسمي أو بين حين وآخر.

وتقوم فكرة تلك المنتديات على اختيار موضوع معين. وتتم حوله المناقشة والحوار أو اختيار شخص معين للتحدث أو بهما معًا «الموضوع والمتحدث» أو تحديد موضوعات للحوار فمنظمو الملتقيات والمنتديات والندوات يختارون متحدثين ذي نوعية معينة من حيث ذكاء العرض وصحة المعلومات ودقتها، والتي قد تصل إلى أكثر من مئتي محاضرة في الشهر الواحد، فمعظم تلك المنتديات تشعر بالتزام عميق اتجاه روادها، خاصة المنتديات الثقافية والمجالس الحوارية التي تعنى بالنقاشات والندوات الحوارية المباشرة وتبادل الآراء في مختلف المواضيع الفكرية والثقافية والعلمية.

فمع رؤية 2030 توسع دور الندوات الحوارية وأحدثت حراكًا وتفاعلًا ثقافيًا جادًا وكان للنخب الثقافية والاقتصادية دور بارز في ذلك الحراك الثقافي، وذلك من خلال إنضاج أساليب جديدة للحوار الثقافي والتثقيف وتبادل الأفكار وقيم الحوار واحترام الرأي الآخر.

وقد أحدثت المنتديات الثقافية نقلة نوعية وتفاعلًا ملحوظًا في الحياة الثقافية، من خلال بلورة الرؤى والآراء وإنضاجها، وإن كانت المحاضرات تشكل الركن الأساسي في برامج المنتديات التي تتنوع ما بين الاجتماعية، والثقافية، والعلمية، والفكرية، والاقتصادية، والأدبية، والتربوية، والتقنية، والصحية، والبيئية، والتنموية، والتعليمية، وما يتبع المحاضرات من مداخلات، وتعليقات، وإضافات، وأسئلة، ونقاشات، لإثراء الموضوع واستكمال جوانبه، وعادة ما تقوم المنتديات الثقافية باختيار شخصيات بارزة للتحدث، وأحيانًا تستعين بالهيئات والمؤسسات الثقافية والعلمية والفكرية لترشيح متحدثين بارزين للتحدث حول موضوع ما.

وتستقطب المنتديات الثقافية نخبة من المفكرين والمثقفين، والموسوعيين والأكاديميين.

فالرياض مركز الحركة الثقافية ومعقل الفكر، وقد أخذت جميع المناسبات الاجتماعية في هذه المدينة طابعًا ثقافيًا، واليوم في الرياض الحديثة يمكنك مشاهدة مختلف أنواع الثقافات، فالرياض المحور الذي يدور حوله الفلك الثقافي، فقد سادت فكرة المناسبات الثقافية وبلغت ذروتها مع رؤية 2030 والتي أحالت المنتديات الثقافية إلى صروح ثقافية، ومنظومات معرفية وعلمية متكاملة، ومنصات حضارية تقوم على رؤية معرفية ومنهجية علمية حديثة.

فإذا ما نظرنا مثلا إلى المراكز والمنتديات الثقافية البارزة في مدينة الرياض، والتي أصبحت اليوم أسلوبًا ونمطًا من أنماط الحياة في مدينة الرياض وشكلت الأساس الثقافي للأفكار الحكيمة والآراء المستنيرة، ففي ظل هذا الوعي انطلقت المؤسسات والمنتديات والملتقيات الثقافية كثلاثية الأمير أحمد بن بندر السديري، واثنينية الشيخ عثمان الصالح، ومركز عبدالله بن إدريس الثقافي، ومنتدى عبدالله بن عبدالمحسن الماضي الثقافي، ومنتدى المهندس عبدالمحسن بن محمد الزكري، وأحدية محمد الجبر الرشيد، وسبتية حمد الجاسر، وأحدية الدكتور راشد المبارك، وندوة عبدالعزيز الرفاعي، وديوانية عبدالمحسن بن صالح الراجحي، ومجلس سليمان الفالح، ومجلس أبناء محمد السعد العجلان، وثلاثية عمر باحسون الثقافية، ومنتدى الدكتور عبدالعزيز العمري وديوانية عبدالعزيز آل حسين. واثنينية الذييب الثقافية، وندوة عبدالله بن عقيل، وندوة سعود المريبض الثقافية، وديوانية عبدالمحسن المهيدب، ومركز تعارفوا، وثلوثية الدكتور محمد المشوح، وسبتية عبدالكريم الجاسر، وندوة النخيل «ثلاثية الدكتور محمد بن حسين»، وثلاثية فايز الحربي، وأحدية أبو عبدالرحمن الظاهري، وأحدية محمد عبدالله البابطين.

فإذا ما نظرنا إلى تلك المنتديات والملتقيات الثقافية نجد أنها تقوم على المناهج العلمية الصحيحة فهي ملتقيات علمية ومعرفية متجددة وشاملة، تقوم على منطلقات فكرية ثابتة تؤدي دورًا ثقافيًا كمنصات إشعاع حضاري لنشر العلم والمعرفة والثقافة، وتثري المشهد الثقافي بأسلوب علمي وموضوعي، وذلك من خلال تنظيم المحاضرات والندوات وحلقات النقاش والأوراق العلمية واستقطاب النخب الفكرية والثقافية والعلمية والأكاديمية وصناع القرار وتكريم الشخصيات العلمية والمؤسسات والمنظمات والهيئات والجمعيات.

ولكن ليست هذه المنتديات والمراكز الثقافية وحدها في الحراك الثقافي وإنما هنالك المجالس والمقاهي الثقافية الحديثة، ولكن للمقاهي الثقافية مظهر آخر، ففي أجواء حوارية مرنة ومتسامحة يمتزج فيها مذاق القهوة مع نكهة الثقافة، والتي ترى صورة لها في «مقهى وثبة» والذي يعتبر تحفة فنية، والمستوحى من الطراز الفرنسي، فعلى جنبات المقهى تطالعك كتب دوستويفسكي ومكسيم غوركي ولوحات نورة المقرن ورزان باعباد التشكيلية، ونفس الإحساس تجده في «مقهى ومكتبة صوفيا» وفي «مقهى أدب» و«مقهى المعرفة» و«مقهى دفعة 89» و«مقهى صحني الأزرق» و«مقهى تشكيل» و«مقهى المساء» و«مقهى قيصرية الكتاب» و«مقهى الديوان الخليجي» و«مقهى تايتل» و«مقهى By The Way».