في الوقت الذي يمتلك 15% من سكان الدول الغنية 80% من الثروات العالمية، أطلق مستخدمو "فيسبوك" على الإنترنت شعار "شبعنا ثرثرة" وقالوا لرؤساء الوفود المشاركة في مؤتمر قمة الأرض الثالثة، التي تعقد حالياً في مدينة "ريودي جانيرو" البرازيلية: "كفاكم كلاماً.. افعلوا شيئاً".
اليوم وصل عدد سكان العالم إلى 7 مليارات نسمة، ليرتفع بحلول عام 2050 إلى 9 مليارات. يعيش كل واحد من 5 أشخاص تحت خط الفقر بمتوسط دخل لا يتعدى دولارا واحدا يومياً، ويعاني كل واحد من كل 6 أشخاص من عدم وجود الخدمات البيئية والصحية والطاقة والمياه، وينام كل واحد من 7 أشخاص دون طعام أو دواء.
تحت عنوان "من أجل البيئة والتقدم" انعقد المؤتمر الأول لقمة الأرض الذي تنظمه الأمم المتحدة في منتصف يونيو 1992 بمدينة "ريو دي جانيرو" في البرازيل، بمشاركة 172 دولة و2400 منظمة مدنية و17,000 خبير في مجالات البيئة والتنمية والطاقة والمياه.
وتحت عنوان "من أجل تنمية مستدامة" انعقد المؤتمر الثاني لقمة الأرض في نهاية سبتمبر 2002 بمدينة "جوهانسبرغ" بمشاركة 119 رئيس دولة و4100 ممثل حكومي و2100 صحفي و3000 منظمة مدنية و22,000 خبير لمواجهة تحديات العولمة واستئصال البطالة والقضاء على الفقر وحماية البيئة.
واليوم، بعد 20 عاماً على انعقاد المؤتمر الأول، تعود قمة الأرض من حيث بدأت لتنعقد بمدينة "ريو دي جانيرو" مرة أخرى تحت عنوان "ريو+20" بمشاركة 107 رؤساء دول و2400 منظمة مدنية و30,000 خبير في مجالات الحد من التغيير المناخي وتوفير التنمية المستدامة والطاقة البديلة وتطبيق مبادىء "الاقتصاد الأخضر".
من على منبر القمة، توالى ممثلو الدول الغنية في إطلاق شعارات "الاقتصاد الأخضر"، بينما اشتدت نداءات الدول النامية والفقيرة للقيام بتحرك سريع من أجل إنقاذ كوكبنا وتقليص حالات عدم المساواة في عالمنا. فالدول الغنية التي تشكل 20% من شعوب الأرض تستنزف 80% من ثروات المعمورة وتنتج 60% من الانبعاثات الضارة بالبيئة، في حين أن الدول الفقيرة التي تشكل 40% من شعوب الأرض تستهلك 6% من ثروات المعمورة وتنتج 1% فقط من هذه الانبعاثات.
الشعوب النامية والفقيرة تعتبر "الاقتصاد الأخضر" نوعاً جديداً من عدم المساواة بينها وبين الشعوب الغنية. فالدول الغنية تهدف إلى ربط العلاقة بين البيئة والتنمية، وبين التجارة والمنافسة، وبين تنقل العمالة ونقل التقنية، وبين إنتاج وتسويق الطاقة ورسوم الكربون الضريبية. بينما تنادي الشعوب النامية والفقيرة بضرورة تكافؤ الفرص بين الحقوق والواجبات وعدم استنزاف الموارد الطبيعية على حساب التقنية وتخفيض معدلات التلوث البيئي في الدول الصناعية.
"الاقتصاد الأخضر" يعتمد على الطاقة المتجددة لمنع التلوث البيئي والاحتباس الحراري واستنزاف الموارد، بينما يقوم "الاقتصاد الأسود" على استخدام الوقود الحجري مثل الفحم والبترول والغاز الطبيعي. لذا يعتبر "الاقتصاد الأخضر" أنموذجاً جديداً من نماذج الضغط السياسي الذي تمارسه الدول الغنية المستهلكة للطاقة على الدول النامية المنتجة لها من خلال مؤتمرات قمة الأرض.
في الآونة الأخيرة اكتسب مفهوم "الاقتصاد الأخضر" شهرة إضافية عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 236/64 وتاريخ 24 ديسمبر 2009 القاضي بتنظيم مؤتمر "ريو+20" للتنمية المستدامة. الدول النامية المنتجة للنفط اكتشفت سريعاً أن تفاوت الفرص بين الحقوق والواجبات من دولة لأخرى ومن منطقة لأخرى ومن قطاع لآخر قد يؤدي لنشوء سياسات حماية خضراء جديدة وحواجز فنية إضافية أمام التجارة، مما يصعب معه تحقيق النجاح التلقائي على الصعيدين الاقتصادي والبيئي، بل قد يكون ذلك النجاح على حساب تحقيق أهداف تنموية أخرى.
الدول الغنية تحاول إقناع الدول النامية والفقيرة بأن "الاقتصاد الأخضر" يؤدي إلى توفير فرص اقتصادية واجتماعية جديدة وتحسين التدفقات التجارية مع التركيز على السلع والخدمات البيئية، إضافة إلى دعم الإبداع والبحث والتطوير ونقل التقنية. والدول الفقيرة تطالب الدول الغنية بضرورة خفض انبعاثات الكربون وتقليص استنزاف الموارد المائية وتحقيق الأمن الغذائي.
بعد جولات المفاوضات الشاقة، تبنى ممثلو 193 دولة يوم الجمعة الفائت في قمة "ريو+20" مشروع الإعلان النهائي المكون من 49 صفحة بعنوان "المستقبل الذي نريده". الإعلان تمت صياغته تحت سلطة البرازيل، الدولة النامية المضيفة، بعد الفشل في التوصل إلى نتيجة في المفاوضات التي تولتها الأمم المتحدة على مدى 20 عاما. إلا أن الدول الغنية رفضت إصدار وثيقة مفتقدة "للطموح"، وطالبوا بمساحة أكبر لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، بينما أعربت الدول النامية عن خيبة أملها، وأعلنت أن "هذه القمة انتهت قبل أن تبدأ".
يأتي إعلان قمة "ريو+20" في الوقت الذي تواجه الأرض عدة تحديات، أبرزها النمو الديموجرافي للسكان، حيث تشير التوقعات إلى أن 49 دولة من الدول النامية ستشهد نمواً سكانياً بمعدل 300%. وهنالك أيضا الفقر وسوء التغذية وضعف الموارد المائية وازدياد رقعة التصحر. إلا أن التغيير المناخي ما زال يشكل أهم التحديات، بسبب انبعاث ثاني أكسيد الكربون والغازات التي تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث ارتفع معدل ثاني أكسيد الكربون من 280 إلى 360 جزءا في المليون خلال القرن الماضي، ويتوقع أن يبلغ هذا المعدل من 500 إلى 1000 جزء في المليون في عام 2100، مما سيؤدي إلى ارتفاع في معدل درجات الحرارة بنسب غير مسبوقة.
هل ينجح "الاقتصاد الأخضر" في إنقاذ كوكب الأرض؟