واذا سبرنا أعماق القطاع العقاري أكثر نجد أن من أبرز العوائق والتحديات التي يعاني منها الواقع العقاري في المملكة تأخر إنجاز بعض معاملات الصكوك العقارية في الجهات العدلية لمدد زمنية طويلة تصل لسنوات عديدة بلا مبرر، الأمر الذي تطرق إليه عدد من الخبراء والمختصين في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، اذ نشرت غرفة الرياض مؤخرا -كجهة اعتبارية- استطلاعا للرأي حول تأخر إنجاز معاملات الصكوك العقارية لتأثيره على السوق، كما تم طرح هذا الموضوع أيضا في منتدى مستقبل العقار الذي عُقد مؤخراً.
ما قد يترتب على تأخر إنجاز كثير من معاملات الصكوك العقارية في الجهات العدلية يعود بضرر بالغ على الأمن العقاري والاقتصاد الوطني والمستفيدين والمستثمرين على المدى القريب والبعيد، ويحرم السوق العقاري وقطاع الإسكان تحديدا من الاستفادة من هذه الصكوك سواء بضخها في السوق العقاري على شكل منتجات سكنية وتوفير خيارات متعددة أمام المستفيدين أو إنعاش السوق عموما بيعا وشراء.
كما أن تأخر معالجة الصكوك في الجهات العدلية يحول دون الاستفادة المثلى من قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء؛ إذ إن القرار يهدف للاستفادة من الأراضي البيضاء في ردم الفجوة بين العرض والطلب، فقد نصت المادة الثانية من اللائحة التنفيذية لنظام رسوم الأراضي البيضاء والصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 379 بتاريخ 8/ 9/ 1437 والمعدلة بقرار المجلس رقم 181 بتاريخ 1/ 3/ 1441؛ على تحقيق: (زيادة المعروض من الأراضي لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، وتوفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة).
ولكن واقع الحال أن هناك أراضي بيضاء كثيرة يتعذر فرض الرسوم عليها بسبب وجود صكوك ومعاملات في الجهات العدلية لم يتم الانتهاء من دراستها أو معالجتها لسنوات عديدة، وبالتالي لا يمكن الاستفادة منها كمنتجات سكنية، واستحالة الاستفادة من فرض الرسوم عليها؛ فقد نصت الفقرة (ب) من المادة التاسعة في اللائحة التنفيذية لنظام رسوم الأراضي البيضاء على عدم تطبيق الرسوم في حال وجود مانع يحول دون تصرف مالك الأرض فيها.
وأشير في هذا الصدد إلى المادة الحادية عشرة من نظام رسوم الأراضي البيضاء، والتي تنص على أن الرسوم والغرامات المحصلة من رسوم الأراضي البيضاء يتم صرفها على مشاريع الإسكان، وعليه فإن عدم إمكانية استيفاء تلك الرسوم بسبب تأخر معالجة معاملات بعض الصكوك العقارية في الجهات العدلية يعني تعطيل أثر ما نصت عليه الفقرة (ب) من المادة التاسعة المذكورة أعلاه.
ويمكن القول إن تأخر معالجة معاملات الصكوك العقارية في الجهات العدلية لسنوات يؤدي إلى تناقص العرض أمام تنامي الطلب واتساع الفجوة بينهما، لتكون المحصلة عدم توازن أسعار العقارات والإيجارات السكنية.
كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن تأخر معالجة معاملات الصكوك العقارية في الجهات العدلية يوقع ضررا بالغا بالأمن العقاري ويخلق بيئة سلبية غير جاذبة للاستثمارات الخارجية؛ الأمر الذي يجعل مساهمة القطاع العقاري في تحقيق المستهدفات المطلوبة منه دون المستوى المأمول.
مع التنويه إلى أن تدقيق الصكوك ودراستها والتأكد من صحة تملكها مطلب مهم لإحقاق الحقوق، ولكن أن يؤدي ذلك إلى إيقاف كثير من المعاملات والصكوك ومنع التصرف فيها لفترات طويلة تصل لسنوات دون إنجاز أمر غير مقبول؛ ولا يواكب ما توصلت إليه جهاتنا الحكومية من تقدم وتطور وسرعة الإنجاز في مختلف المجالات تحت توجيهات القيادة الرشيدة.
ومن هذا المنطلق أدعو الجهات المعنية بالعقار والإسكان والجهات العدلية للتعاون فيما بينها لإيجاد حلول وآليات لسرعة معالجة هذه الصكوك والمعاملات العقارية لما لذلك من أهمية بالغة في خلق التوازن بين النمو السكاني والنمو العمراني، وزيادة التصرفات العقارية، وتوازن الأسعار، وتوفر الفرص الاستثمارية التي تعود على الاقتصاد الوطني بعوائد ضخمة لا تقل أهمية عن بقية القطاعات.
إن ما تقدمه الدولة من دعم لا محدود للنهوض بالقطاع العقاري، وما صدر حيالها من أوامر سامية وتوجيهات؛ كفيل بإنهاء جميع العوائق والتحديات المتعلقة بالصكوك العقارية، فهي بمثابة وصفة طبية شاملة قادرة على إنهاء جميع ما يعانيه الواقع العقاري من تحديات، الأمر الذي يحتم على الجهات المعنية لا سيما العدلية لتفعيلها والعمل بها؛ تجسيدا للدعم الحكومي اللامحدود للقطاع العقاري، ومواكبة لمستهدفات رؤية المملكة 2030 ومشاريعها التنموية الضخمة؛ أسوة ببقية القطاعات الحيوية التي نجحت في تحقيق مستهدفاتها وساهمت في الناتج المحلي والاقتصاد الوطني.