خطوة إيجابية كبيرة شهدها الوسط الإعلامي السعودي خلال أواخر فبراير الماضي تمثلت في إعلان إطلاق أكاديمية واس للتدريب الإخباري التي تعدّ الأولى من نوعها المتخصّصة في الشرق الأوسط، والتي تهدف لتزويد المشهد الإعلامي بكوادر وطنية قادرة على تلبية متطلبات السوق، وتعزيز تبني نقل المعرفة والتكنولوجيا والأنماط الحديثة للعمل الصحافي والإخباري.

وتشمل مجالات عمل الأكاديمية خمسة محاور، هي: الصحافة والأخبار، التقنية والذكاء الاصطناعي، القيادة وأخلاقيات الصحافة، شركاء الإعلام، التوعية الإخبارية، مما يرفع منسوب الأمل وسط العاملين في مهنة «السلطة الرابعة» بضخ قوى إضافية في شرايين هذه الصناعة التي تمثّل صوت المجتمع ورقيبه وعينه الساهرة على مصالحه.

وبدءا يتوجب القول إن هذه الخطوة الإستراتيجية المهمة لم تأت في هذا التوقيت بالذات عن طريق الصدفة، بل كانت نتاجا طبيعيا لما تشهده بلادنا من تطورات على كافة الأصعدة على هدي رؤية المملكة 2030، وثمرة للجهود المتواصلة التي تقوم بها وزارة الإعلام بقيادة وزيرها الشاب سلمان الدوسري الذي تشبّع بكل أدبيات المهنة وأسرارها وامتلك خبرة واسعة بكافة تفاصيلها خلال فترة عمله كصحفي نابغة وإعلامي متميّز، لذلك فهو يدرك أكثر من غيره ما تحتاجه وما يحقّق المصلحة العامة.


ويدرك المتابعون –بغير عناء– جهود وزارة الإعلام لتحسين الواقع الإعلامي، حيث تعمل على أكثر من جبهة في وقت واحد، ولعل الانتخابات الأخيرة لجمعية الصحفيين السعوديين كانت خطوة أساسية في هذا الطريق، لأنها أتت بكوادر وطنية شابة تعي أكثر من غيرها تحوّلات المشهد المعاصر، وتستوعب المتغيّرات الحديثة التي استجدّت على هذه الصناعة، وتدرك التحديات التي تواجهها بلادنا والتي تتطلّب من الإعلاميين أن يكونوا خط الدفاع الأول، بأسلحة حديثة متطوّرة قائمة على الرأي السديد والحجّة الدامغة والأدلة والبراهين.

هذا الواقع الجديد فرض على الإعلام السعودي التوافق معه عبر تحديث أدواته وتطوير مفرداته وهي الرسالة التي استوعبتها المملكة فكان إنشاء أكاديمية واس للتدريب الإخباري إيذانا ببدء عهد جديد يقوم على التخصّص وتعزيز الفهم العميق للقضايا الإخبارية والتحديات العالمية، وهو ما اهتمت به الأكاديمية التي تختص بفنون صحفيّة محدّدة منها الجانب الخبري بكافة تفصيلاته.

وهنا يكمن الفارق، فهناك كثير من الأكاديميات الإعلامية المهنية التي تتبع للقطاعين العام والخاص، لكنها تفتقر للتخصّص، لهذا تاه معظمها في دروب العمل الإعلامي الواسعة، واتسمت أعمالها بأنها واسعة وفضفاضة، ولهذا انطبق عليها الحديث الشريف فأصبحت «كالمنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى».

لكل ما سبق، فإنه يتوقّع أن تسهم الأكاديمية الجديدة في إعادة رسم الخارطة الإعلامية بتفاصيل جديدة، لا سيما مع وجود شركاء واس المتميزين والرصيد المهني الهائل للوكالة الذي يتجاوز 50 عاماً من العمل الإخباري بالمملكة، وإمكانية توظيف شراكاتها الإستراتيجية مع أكثر من 30 وكالة أنباء عالمية.

لذلك يزداد حجم التفاؤل بمخرجات الأكاديمية ونجاحها في تحقيق أهدافها المعلنة والتي تتمثّل وفق ما تحدث به مدير الاستراتيجية بوكالة الأنباء السعودية، طارق الشيخ في برنامج «يا هلا» عبر قناة روتانا خليجية، في تطوير المهارات الإخبارية المتقدّمة لتلبية متطلبات السوق، وتعزيز التوجّه الرقمي وتبني نقل المعرفة والتكنولوجيا والأدوات الحديثة للعمل الصحفي والإخباري، وترسيخ المفاهيم العميقة للقضايا الإخبارية والتحديات العالمية، وتوطين المعرفة ونقل أفضل الممارسات، وخدمة العمل الإخباري، خصوصا إذا استصحبنا في الحسبان أن برامجها موجّهة بالأساس إلى الصحفيين والمصورين، والمهنيين والتقنيين في مجال الإعلام، إضافة إلى طلاب الإعلام، ومسؤولي الشؤون الإعلامية في مختلف الجهات.

الآن من حقنا أن نحلم ببداية عهد جديد، يزداد فيه الأمل بتحقيق منجزات جديدة تعلي من شأن الصحافة السعودية التي ظلت على الدوام تشهد تطورا وتقدما، مما وضعها في مقدمة دول المنطقة في هذا المجال، وألا نكتفي بما تحقق من إنجازات، وأن نواصل مسيرة الريادة الإقليمية في هذه المهنة الحيوية التي تشهد تغيرات وتطورات متسارعة، حتى نكون أكثر قدرة على استيفاء متطلبات المرحلة الاستثنائية التي تمر بها المملكة حاليا.