هذا ملخص ما يحدث في «قرقيعان» منتصف شهر شعبان، تلك العادة التراثية التي تتوارثها الأجيال منذ القدم، ليس في مناطق المملكة فحسب، وإنما في دول الخليج كافة.
واختلفت مسميات القرقيعان في دول الخليج، كما اختلفت بعض العادات، لكن الفرحة بقيت واحدة، وإن كانت التطورات الأخيرة قد أثرت قليلا على القرقيعان، وأصابته بما يمكن أن نسميه بعض الفتور.
في ليلة القرقيعان، تمتلئ الشوارع والأزقة بالأطفال والكبار، مرتدين الأزياء الشعبية، وترتفع أصواتهم بالأهازيج التراثية القديمة.
ويستعد الأطفال للمناسبة منذ وقت مبكر، ويتأهبون لها بشغف، فيختارون ملابسهم التراثية بعناية مع تأمين أكياس القرقيعان المنوعة والمزينة، يجمعون فيها الحلوى والهدايا، ويزين الأهالي الشوارع والبيوت بالإضاءات الملونة لأجل مناسبة ينتظرونها مرتين في العام، المرة الأولى ليلة النصف من شعبان، والثانية ليلة النصف من رمضان.
بعض الحداثة
لا بد من الإشارة إلى أن هناك حداثة طرأت على النسيج التواصلي في المجتمعات، وهذه الحداثة حملت بعض التغيير في عادات «القرقيعان»، التي أصابها فتور نسبي، حيث تغيرت الأشكال والطريقة، لتدخل عالم «المودرن»، فبدلاً من طرق الأطفال الأبواب وطلب القرقيعان كما هي العادة القديمة، حلت مكانها الاحتفالات الخاصة بالقرقيعان، وسط أجواء مختلفة في الشوارع والأحياء، والأماكن العامة.
تغيير المسمى
عن عادات القرقيعان المختلفة ومسمياتها، يقول الباحث الاجتماعي، عبدالرسول الغريافي، متحدثًا عن القرقيعان في القطيف: يشتهر القرقيعان عند أهالي القطيف باسم «الناصفة»، لحلوله بالتزامن مع منتصف الشهر، إذن هي ناصفة للشهر، والناصفة اسم فاعل على وزن «فاعلة»، وقد اسندت للمؤنث، إشارة إلى ليلة منتصف الشهر من شعبان، وكذلك في منتصف رمضان، ومنها يشتق الفعل «ناصف» و«يناصف».
وتابع: من مسميات القرقيعان أيضًا «قريقشون»، وقيل في الماضي أن أصلها يعود إلى كلمتين؛ الأولى «قَرَّتْ» والثانية «الشؤون»، والمقصود بـ«الشؤون» النفوس والقلوب، ومنها يُشتَق الفعل «قرقشوا».
وأضاف: أما الاسم الأكثر شيوعًا في الخليج، فهو«القرقيعان» وهذه الكلمة مشتقة من أصل عبارة حجازية قديمة، مكونة من كلمتين، وهما «قر» و«عان»، والعان يُقْصَد العين أو العينين، وهي دعاء بـ«قرة العين».
قرة العين
أكمل الغريافي: من المعروف عند العرب عامة، والمسلمين خاصة، عند المباركة بالمولود الجديد إنه يُقال لأهل المولود «أقر الله عيناك» و«قرة الأعين»، وكذلك بالحجازي القديم «قر عاين»، وقد ذكر القرآن الكريم قرة الأعين المرتبطة بالأولاد في أكثر من موضع، حيث قال: «وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ»؛ أي أنها كانت تتوسل إليه بأن لا يقتله، لكي يتخذوه ولدًا، وتقر به أعينهم، حيث أردفت قائلة: «لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا».
وفي موضع آخر، حين وضعت مريم نبي الله عيسى، فقد جاءها النداء: «فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا»، فمن الواضح أن قرة العين مرتبطة بالولد، حيث إنها: «فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا»، مضيفًا: فغالبًا ما كانت العرب يهنئون أهل المولود الجديد بذكر عبارة «قرة الأعين» (الاسم)، وقرت الأعين (الفعل)، مبينًا، عبارة قرة العين مرتبطة أيضًا بتهنئة الرسول (ص)، حين رُزق بحفيده الأول الحسن بن علي في منتصف شهر رمضان.
عادة الجباية
تطرق الغريافي إلى عادات القرقيعان أو الناصفة، ورأى أنها متقاربة في دول الخليج، وقال: هناك عادات للقرقيعان في الخليج، أقرب إلى محافظة القطيف من غيرها، مثل عادات القرقيعان في مملكة البحرين، من حيث الفلكلور المتبع، الذي ينشده الأطفال هنا وهناك، كما أن هناك كثيرًا من العادات التي اندثرت، مثل عادة «الجباية»، وكذلك طريقة جمع البركة، حيث كان الأطفال في الماضي يحملون الخريطة، وهي كيس أبيض مصنوع من قماش سميك، هذا الكيس يثبت في أعلاه شريط لتعليقه على رقبة الطفل، وهي من قماش يعرف بـ«كُل والبس»، وسميت بذلك لأنها غالبًا ما كانت تصنع من أكياس الطحين بعد تفريغها.
الحلوى والهدايا
أوضح الغريافي، من عادات بعض أهالي الخليج أنهم ينتظرون كل مجموعة من الأطفال يأتون إليهم، وهم ينشدون ويدعون لأولاد أهل البيت بالسلامة وطول العمر، فتأتي ربة البيت إليهم، وتوزع عليهم الحلوى والهدايا، أو تنثرها في المكان، وهكذا ينتقلون من بيت إلى آخر.
أما العادات المتبعة في القطيف في القرقيعان فتتلخص في جلوس رب البيت أو ربة البيت عند باب منزلهم، وتوزع ما تيسر من الحلوى والهدايا على الأطفال، وتشمل الهدايا الموزعة «الكسكبال» أو «السبال»، وهو الفول السوداني غير المحمص، يجمعه الأطفال من كل منزل بمقدار حفنة، وبهذا يجمعون الكثير منه.
وأضاف: ما يحصده الطفل، يسمى «ناصفة»، ويقول الطفل «هذه ناصفتي.. وتلك ناصفتها»، والبعض في الماضي كان يوزع بعض الحلويات مع الكسكبال «السكسبال»، والبعض يوزع قطعة نقدية، وكان في العادة يتجمع بعض أطفال العائلة من الأولاد والبنات لتبدأ مسيرتهم من بيوتهم معًا، دون ان يتفرقوا، وبعض المناطق في قرى ومدن وحارات القطيف، تبدأ ناصفاتهم في وقت العصر، أما الغالبية منهم فيبدؤون الناصفة بعد أذان المغرب.
استعداد وتحضير
تؤكد أم عبدالله أن القرقيعان ليس فرحة للأطفال فقط، وتقول: نستعد نحن الكبار لهذه المناسبة، فنحضر الهدايا والحلوى، وننتظر أن يطل علينا الصغار يطرقون الباب ويدعون ويهزجون، ولا أجد أجمل من فرحتهم حين نغدق عليهم الهدايا والحلوى التي أحرص على وجودها منذ وقت مبكر بانتظار قدومهم لتويعها عليهم.
القرقيعان
ـ عادة متوارثة في الخليج.
ـ تصادف ليلة المنتصف من شعبان والمنتصف من رمضان.
ـ أخذت مسماها من «قرة العين».
ـ يطرق الأطفال خلالها الأبواب ويغنون الأهازيج.
ـ يوزع الأهالي خلالها على الأطفال الهدايا والحلوى.