تسافر الأرواح شوقاً وحنيناً يحكي لنا موسيقى رمضان الخالدة في مخيلة المكان وإن تباعد به الزمان..تلك الموسيقى القاطنة في ذاكرة كل طفلٍ يسكننا تهرعُ تلك الموسيقى عبثاً تحاول أن تعيد إختزلات طلقات النيران الحمراء بمقدمِ شهر رمضان المبارك فانوس خالتي العتيق,وأقدام أبي النحيلتين سيراً في جوف الظلام.. القطط الهاربة خوفاً من مساريب السائرين ، موسيقى رمضان السامرون حول موقد حكواتي قريتنا الذي بات هزيلاً فقد هجر دكانه, وحكاياته وضحكاته وبات الحلقة الأضعف في قريتي ، موسيقى رمضان رائحة الجدات يرتقن فينا عادات الماضي الأصيلة ، موسيقى رمضان الروح التي تهاجر إليها كل الأرواح كي تملأ الفضاءات بالوجوه وإن غادرت عن عيوننا الباقية في قلوبنا موسيقى رمضان تنصت لأصوات المؤذنين كي تمنحنا لذة الدعوات الخاشعات مغرب أول أيام شهررمضان ثنائية الكيمياء التي فقدت بريقها منذ رحيل مؤذننا عليه رحمات الله ، ولكنها مازالت تستعيده في كل الأماكنة والأزمنة فلا رمضان دون مؤذننا " ابن شينان " دون صوته الذي يكسونا سنوات من الإبتهالات ..موسيقى رمضان تلفاز صغير وقد أجتمعت عليه تلك الأسرة تشاهد شهر رمضان تتناول إفطاراً شعبياً شهيـاً..بالقرب منّا صوت أم حديجان - لجدة القرية الكفيفة - يسابق برنامج على مائدة الإفطار والشيخ علي الطنطاوي رمضان ,وصلوات التراويح وقداسات الحناجر بصوت حسين نجار..موسيقى رمضان تتجلى في فوازير رمضان للكبارهذه الموسيقى التي لاتعترف إلا بالدموع..وأسألوا من أستطعمها وعاش كل تفاصيلها السعيدة والحزينة..موسيقى رمضان العم مشقاص,وبابا فرحان وفوازير رمضان للصغار وخالتي قماشة، وجحا وأبو دلامة وأشعب الطفيلي موسيقى رمضان سنحات العابرين وقد أجتمعوا في مسجدٍ صغير يحنو على صوت الجد وهو يتلو لثغةً " أهدنا الصراط المستقيم " موسيقى رمضان تجتمع في روح واحدة وجسد واحد على حصير من بقايا إنسانية ويهرعون سريعاً ويكرعون مِاء يطفي لهيب يوم حارق أطباق القرية لا تكاد تهدأ من الترحال بين تلك البيوت والأقدام التي لا تعرف الوقوف إلا عند الغروب تبقى موسيقى رمضان لحناً نجترٌه حين تطول بنا مسافات البعد ولم نجدك وفي ضبابيات الوقت العصيب سألقي عليك لحاف جدي وتراتيل أمي وصوفيّة جدتي ووجه أبي وأصوات أخوتي وخواتي .
ومضة :
موسيقى رمضان سأحكي لكل الأجيال بأنك الرواية التي لا تشيخ،وإن تقادمت بها السنوات .