في أوقات الضائقات والمحن والشدائد والحروب، في أوقات الحاجة الماسة والحقيقية، في أوقات الحزن والمآسي، في أوقات الضعف، في أوقات الأزمات، في كل هذه الأوقات، يتضح ويبرز ويتجلى الصديق، يتضح ويبرز ويتجلى المواطن الحقيقي والغيور على وطنه وقيادته، هذا ما تعلمه الشريعة الإسلامية وتمليه الآداب والقيم الوطنية. في مثل هذه الأوقات والأزمات المؤقتة، حري بنا، مواطنا ومواطنة، شابا وشابة، جدا وجدة، أبا وأما، طفلا وطفلة، أن نسأل ونمني أنفسنا بما ينبغي تقديمه للوطن وليس ما ينبغي أن يقدمه الوطن لنا، أو كما قال الرئيس الأميركي جون كينيدي لأبناء وبنات شعبه الأميركي في خطبة تنصيبه رئيساً التي صادف حدوثها إحدى الأزمات التي كانت تواجه الأمة الأميركية في فترة رئاسته "ask not what your country can do for you--ask what you can do for your country"

ما قام به الملك عبدالعزيز رحمه الله مع رجاله وأبنائه من جهود وأعمال وحروب وتضحيات آلت إلى تكوين وتأسيس دولة حديثة، دولة تستمد دستورها من القرآن والسنة، دولة المملكة العربية السعودية، دولة يعكس اسمها ولقبها لقب أسرة القائد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، فحق لنا ووجب علينا التقدير والولاء والتلاحم والعرفان والتضحية بالنفس والمال لديننا أولاً ثم قيادتنا ووطنا، نظير ما قدمه القائد المؤسس وقيادات الدولة على مراحلها المختلفة من بطولات خرافية وتاريخية، بطولات ومسيرات وتضحيات بالدم والمال والولد، بطولات سجلها وحفظها التاريخ، بطولات احترمها وأعجب بها وقدرها العالم كله، وكل هذا لم يكن ليتحقق لولا فضل الله ومنته وبركته، ثم براعة وحنكة وعبقرية وقيادة الأب الروحي للمملكة العربية السعودية عبدالعزيز آل سعود رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

في الأسبوع الماضي، قدر الله أن نفقد عزيزا علينا وعلى وطننا، الأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته، وهذه سنة الله في عباده وقدره عز وجل، نعزي أنفسنا ونعزي القيادة والوطن في فقيد في مثل قامة وشخص الأمير نايف، رجل الدولة والوطن، رجل الأمن والأمان، رجل التربية والسياسة والمستقبل، رجل حمل صفات القيادة الاستثنائية، صفات كلنا عشناها وأدركناها وقدرنا أبعادها الوطنية بكل ما تحمله من جوانب أمنية وتعليمية واجتماعية ونفسية.

كما نعزي أنفسنا في فقيد الأمة القائد الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله وقبله الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله، فإننا نلمس وندرك ونحمد الله على أنه إذا غاب قائد، عوضنا الله قادة وعظماء مثلهم وأكثر، وهذا ما نشعر به تجاه تولي القائد الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وبارك فيه، فهو خير خلف لخير سلف، فإذا كان نايف توفاه الله بعد جهود وأعمال قضاها في خدمة الله والوطن، فقد أعطانا الله قائداً آخر يحمل في قلبه حب الله والإيمان فيه وحب الوطن، ويحمل في عقله المعرفة العلمية والعملية في القيادة والإدارة الحديثة، كما يتحلى بمهارات القائد الفذ والمبجل، وكيف لا، وهو نجل ووريث قائد وطني وعالمي، الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، فهذا السيد من ذلك السيد، وهذا القائد من ذلك القائد.

وما قام به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله ووفقه والقيادة الحكيمة داخل الأسرة المالكة من سرعة في اتخاذ قرار تعيين الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ولياً للعهد خلفاً للفقيد الراحل الأمير نايف رحمه الله، لم يكن توقيت ولا سرعة ولا وضوح القرار إلا دليلاً وشاهداً على استقرار وقوة وثبات الحكم في المملكة وإدارته الحكيمة، وهذا ما أظهرته هذه الأزمة، وهي أزمة طبيعية ولكنها مؤقتة، وكذلك أزمات سابقة، ونقول أزمة، نعم، لأن فقدان قامة مثل قامة وشخص أمير قائد ووطني مخلص يمثل أزمة وحزنا ومصابا جللا، ولكنها مؤقتة وحلها سهل وجلي وواضح نظير ما تملكه الأسرة الحاكمة من قيادات وطنية أثبتت وتثبت من أزمة لأخرى ومن مرحلة لأخرى بأنها تملك البديل وتملك صناعة القرار الوطني الاستراتيجي السريع والصحيح، فإذا كنا استطعنا إيجاد البديل لعبدالعزيز، وهو شخصية ليس من السهل تعويضها، فإننا قادرون على توفير بدائل في كل زمان ومكان، بدائل تملك الحكمة والقيادة والحنكة والصبر، وتملك قبل هذا كله حب الله والخوف منه وتملك حب الوطن والمواطن، مبادئ وقيم إسلامية أعاد إحياءها وبناءها وترسيخها الإمامان محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب رحمهما الله وغفر لهما، وجدد لهذه الدعوة المباركة الملك عبدالعزيز رحمه الله رحمة واسعة.

الأمير سلمان حفظه الله ليس غريباً على الإدارة والقيادة، فقد قضى سنوات من عمره في العمل الإداري ما بين إدارة منطقة الرياض، وهي إدارة تتعدى الإدارة التقليدية في التنسيق بين الدوائر والقطاعات الحكومية إلى إدارة ومتابعة مشاريع وخدمات المنطقة التعليمية والصحية والمرافق العامة، وما إنجازات ومستحقات منطقة الرياض في جميع الأنشطة والمحافل إلا شاهد على إنجازات القائد الأمير سلمان حفظه الله.

قد لا يكون من العدل والإنصاف تقديم عرض مختصر لمنجزات واستحقاقات الأمير سلمان في مجالات الإدارة والقيادة والأعمال الخيرية والإنسانية والتاريخية، مما يتطلب منا تخصيص صفحات وكتب لهذه الشخصية وإنجازاتها، وهو حق مكتسب وواجب وطني. ولعلنا من قبيل التمثيل، وليس التعميم، نشير إلى منجزات الهيئة العليا لتطوير منطقة الرياض، الحي الدبلوماسي النموذجي في إنشاء البنية التحتية، وإسكان الخارجية، والطريق الدائري، ومشروع وادي حنيفة النموذجي، نماذج ومنجزات تضاهي وتصل للعالمية، وهو إنجاز حسب للأمير سلمان وفريق عمله في منطقة الرياض.

ندعو الله للأمير سلمان، جنباً إلى جنب، مع أخيه الملك عبدالله بالتوفيق والسداد، ونؤكد على ولاء وتحالف الشعب مع القيادة قلباً وقالباً في كل زمان ومكان، وكل الشعب يتطلع للعمل مع القيادة في سبيل خدمة الوطن أولاً وأخيراً، وهذا تعريف وماهية الوطن.