ويمكننا أن نقول إنه مهما تباينت الآراء التي تناولت البرنامج، الذي انطلق موسمه الأول في 2023 تحت إشراف هيئة الأدب والنشر بالتزامن مع مبادرة «عام الشعر العربي» وضمن سلسلة من الفعاليات والملتقيات الشعرية التي نظمتها الهيئات والجمعيات والقنوات الثقافية على مدار العام، إلا أنه سيبقى علامة فارقة في إعادة الشعر لمكانته التاريخية وحضوره كمنتج استثنائي يميز الثقافة العربية. بداية من استلهام المعلقات في عنوان البرنامج وتداول التأريخ العربي بما يحمله من خصوصية.
كما لا أبالغ إن قلت إن حالة التنوع التي تميز بها البرنامج كانت إضافة فلسفية عميقة شرحت بشكل غير مباشر روح الشعر التي بطبيعتها تتماهى مع الاختلاف، وتحتفي بالتناقضات وتشتغل في المستوى الجمالي على المألوف والعادي فتحوله إلى إبداعي.
الشعراء المشاركون في البرنامج كانوا أحد عناوين التنوع سواء من حيث تصنيفهم ضمن فئات الشعر، وهذا بلا شك دليل على ثراء الشعر العربي وأصالة مصدره وانعتاقه من الجمود والتقليدية. أو حتى من حيث اختلاف الأقطار التي ينتمون إليها مما يقدم صورة بانورامية للتجربة الشعرية العربية في كل أرض تتحدث اللغة العربية ويسكنها العربي بكل ما استحدثه وعيه، وبكل ما شكل إدراكه المعاصر من قضايا إنسانية وتوجهات ثقافية.
بقي أن نقول إن البرنامج كتجربة ثقافية وإعلامية بحاجة لدراسة كل الأطروحات النقدية بشأنه، لتحسين الفكرة ربما أو لتلافي الأخطاء في التجارب المستقبلية المشابهة.
ختاما.. ربما يتباطأ إيقاع الشعر فلا يجاري العصر المتسارع، وربما في منعطفات كثيرة يصير إلى عزلة وفراغ، لكنه يظل دائما متكئا على وجوده التاريخي المتجذر في الهوية. وإذا ما حاولنا بشكل ما جغرفة الإبداع اعتمادا على الريادة في كل فن، فإنه وكما يصنع الأدب في روسيا، والفلسفة في ألمانيا، والموسيقى في النمسا، يمكننا أن نقول إن الشعر كان وما زال صنعة العرب وعروتهم الوثقى، وأجد أن العناية بإبراز هذا الجانب هي طريقة لتطوير الفعل النقدي وما يؤول إليه من تحولات فلسفية عبر الزمن. كما أنه إضافة حقيقية لحالة الاتصال الحضاري الإنساني.