من أهم معتقداتي الراسخة أن وجود الرقة والأنوثة في السيدة «يبطل» صفات القوة والحزم التي تحتاجها بطريقة أو بأخرى، وفي الرجل العكس صحيح، حيث إنهما كفتان لا تتوازيان، وقطبان لا يلتقيان، ولم ولن أتفق مع من يعارضني، حتى جمعتني الحياة بفتاة في مقتبل عمرها «هزت» هذا المعتقد لدي، ووضعته في حالة تذبذب دون أن تقصد وبعفوية. أشاهدها كيف جمعت هاتين الكفتين في الصفات! مندهشة، فإن كانت برقتها أشعر بهيبة سماتها، وإن كانت بقوتها وحزمها لم تنجرح أنوثتها. ولأني دائما ابحث في كيف أن تكون نسختي الحالية أفضل من نسختي السابقة، صببت كل تركيزي على أن أتعلم منها، اتبع واحلل تصرفاتها العفوية في مختلف المواقف التي تحدث أمامي، لأعرف ما هو سرها، ومع الوقت اكتشفت السر!

أبوها «قائد عسكري»، وأمها لا أعلم عنها، ولكن أكاد أجزم أنها قد وصلت إلى أعلى درجات الثقافة والعلم، ليشعر الآخرون بمدى احتوائها لابنتها، وحنانها لها، حتى تُغبط عليه. نعم هذا هو سرها، فهذه الفتاة الجميلة تعلمت القوة والحزم، وفي جانب آخر تنعمت بالود والحب، ولعليّ كما أرى اجتماع قطبين للصفات في شخصها، ومتوقع أن والديها أيضا جمعاهما في شخصيتيهما. تخيل أنها تجد الود القوي من الصارم الحازم، وتتعلم الشدة الودودة من القلب المثقف الغامر، فكيف تكون؟

درس للآباء والأمهات: كونك أبا لا تقدم فقط حزمك؛ لأن حبك ومشاعرك مفعولهما أقوى من أفضل دواء، ويا عزيزتي الأم لو تعلمين أن دلالك الزائد لابن دون الآخر -دون قدرـ قد يحكم على الاثنين بالفشل!


هنا عدت لاعتقادي في تحليل ما هو مصدره، فاكتشفت أن الأب القائد العسكري قد يكتفي بتعليم القوة والحزم بكل أشكاله وصوره حتى يتأكد أن ابنه مثله أو أفضل بدرجة، لكن لا يعطي بالا أبدا بأن يقدم الود، ويرميه على كاهل الأم. ومهما قدمت الأم لن تطيق معه صبرا، وتبعات كثيرة ستتراكم وتتعقد، لأن الجميع يتواكل على آخر في بعض واجباته، فتتضارب المعطيات، وتظهر لنا التشوهات على شكل معتقدات أو تصرفات.

أخيرا.. ما هو صادمٌ، كيف أن بعض معتقداتنا هي نتيجة تشوه تجاربنا، وتعتبر أيضا دليلا غارما عليها! وكيف لشخص سليم العقل والروح قد يهز معتقدات خاطئة لبالغ ويصححها، وهو غير مدرك ذلك!