«تم التجاوب وأغلقت الشكاوى».. عبارة طالما ترددت كثيرًا، حتى إن البعض ظن لفترة أنها مجرد رد رقمي، أو حتى مجرد تعبير عن حل آني مؤقت قد لا يعالج المشكلة من جذورها، ويغلقها على نحو نهائي، بل ربما تعود سريعًا إلى الواجهة في انتظار متقدم بشكوى جديدة.

لكن كثيرين يؤكدون أن عبارة «تم التجاوب وأغلقت الشكوى»، التي طالما قرأوها كرسالة نصية (sms) في ردود بعض الجهات الرسمية العامة والخاصة في السابق، باتت اليوم من الماضي، خصوصًا مع التطور الرقمي الذي تشهده كثير من تلك الجهات، والتي باتت تتبع خطوات عدة للتأكد من إغلاق الشكوى بالشكل المطلوب، عبر إجراءين رئيسيين، يتمثل أولهما في تقييم لقياس مستوى رضا المستفيد، وذلك من خلال تحديد مستوى الرضا، وثانيهما وضع تفاصيل دقيقة في الرسالة، توضح مراحل العمل في البلاغ أو الشكوى، وفي بعض الأحيان التواصل هاتفيًا مع مقدم البلاغ أو الشكوى لجمع تفاصيل الشكوى والبدء في الحل.

وأكد مواطنون ومتسفيدون من الشكاوى أن هاتين الخطوتين تولدان لدى مقدم البلاغ أو الشكوى شعورًا متناميًا بأن هناك اهتمامًا جديدًا بالشكوى والبلاغ اللذين تقدم بأحدهما، كما يشعرانه بأن شكواه وبلاغه تحت المتابعة وقيد الإجراء والحل.


وتعمل معظم الجهات الخدمية بهذا الأسلوب تقريبًا، فيما يتجه بعضها الآخر بخطوات متسارعة إلى اعتماده قريبًا، مع ملاحظة أن ثمة أنظمة وتشريعات رسمية وضعت موضع التنفيذ، وباتت تكفل لمقدم البلاغ أو الشكوى متابعة حالة بلاغه وشكواه، مع منحه إمكانية الرفع إلى الجهة العليا التي تتبع لها هذه الجهة أو تلك؛ للتحقق من ظروف رسالة الرد التي تقول «تم التجاوب وإغلاق الشكوى»، ومعرفة ظروف إغلاق البلاغ دون حل.

مركز آمر

بيّن المحامي والمستشار القانوني، عبدالرحمن آل بن زيد، أن تقديم الشكاوى يعد عملية تعبير من المستفيدين عن عدم الرضا عن خدمة ما أو سلوك غير لائق أو أي قضية تحتاج إلى اهتمام.

وأشار إلى أن تقديم الشكاوى سابقًا كان يتطلب من الشاكي الذهاب بشكل شخصي لمراجعة الجهة أو الدائرة المعنية لتقديم شكواه أو بلاغه، ناهيك عن أن ذلك الإجراء كان يمر عبر سلسلة من الإجراءات المعقدة في سبيل الوصول إلى حل مرضٍ.

وقال: مع فرضية كثرة الشكاوى المقدمة وتراكمها بدأ هذا الأمر بالاندثار تزامنًا مع التحول الرقمي الذي تشهده المملكة، والذي امتد أثره إلى كل ما يتعلق بالخدمات الحكومية، حيث مكن هذا التحول المستفيدين من خدمات تلك الجهات من رفع شكاواهم وبلاغاتهم، ومتابعتها بشكل إلكتروني عبر المنصة الوطنية الموحدة.

وأضاف: بغية تعزيز الشفافية للمستفيد تم إنشاء مركز «آمر»، وهو أحد مبادرات هيئة الحكومة الرقمية لتحقيق التفاعل بين المستفيدين والخدمات الحكومية الرقمية في المملكة، حيث تمكن المستفيد من تقديم شكوى بهدف التصعيد على شكوى سابقة مقدمة على خدمة رقمية، ففي حال لم يتم تحديد مدة للرد، أو في حال عدم الحصول على رد من قبل الجهة، يحق للمستفيد اللجوء لمنصة «آمر»، كما أنها تضمن عدم إغلاق شكوى تم تقديمها إلى جهة حكومية دون الوصول إلى حل مرضٍ، مما يعزز الثقة في نفوس مقدمي الشكاوى، ويوفر إمكانية متابعتهم للشكاوى التي تقدموا بها بكل سلاسة.

سبب تأخر الحل

يرى المحامي والمستشار القانوني، محمد العطية، أن المملكة ذهبت بعيدًا فيما يتعلق بالخدمات المقدمة للمواطنين، وتعزيز مبدأ المشاركة والشفافية، حيث منحت كل مواطن الحق في الإبلاغ عن مواطن الخلل، ومكنته من متابعة خطوات معالجة هذا الخلل.

وقال العطية، دخلت المملكة عصرًا جديدًا من حوكمة الإدارات الحكومية، ودراسة مدى رضا المستفيد عن خدماتها، كما خطت خطوات عملاقة نحو تمكين الحكومة الإلكترونية، التي ذللت كثيرًا من العقبات التي واجهت المستفيد، سواء كان مواطنًا أو مقيمًا.

وأضاف: من أبرز سمات الحوكمة التي قادتها الحكومة الرشيدة، وشددت على أن تتقيد بها الإدارات الرسمية، واتخذتها معيارًا لمدى نجاح الإدارة هي رضا المستفيد، وتتمثل في حل المشكلة بأسرع وقت ممكن مع أعلى درجة من الحرفية، وكمال الرضا عند المستفيد.

وتابع: من أهم الخطوات التي اتخذتها الدولة لتعزيز الشفافية، تلقي شكوى المستفيد من خلال عدة طرق سهلة وميسرة، وتمكين المشتكي من متابعة شكواه من خلالها، وأيضا توضيح الخطوات المنجزة لمعالجة الشكوى، وفي أي إدارة توجد الآن، وسبب تأخر الحل.

رضا المستفيد

يوضح العطية سبل التعامل مع الشكوى بعد تقديمها، ويقول: اتصال المشتكي يقابل برسالة نصية من الإدارة تفيد بتلقي الشكوى، بعدها تتوالى الرسائل النصية أو المكالمات المباشرة لبدء خطوات التعامل مع الشكوى، إلى أن تصل الرسالة النهائية «تم التجاوب وأغلقت الشكوى»، وهي تدل على أن مراحل الحل انتهت، وتم التعامل مع المشكلة، بما يتوافق مع أنظمة الدولة المعمول بها، والتي تضمن سرعة الاستجابة مع نجاعة الحل ورضا المستفيد.

شكاوى متكررة

مقابل كل التنظيمات والتشريعات التي تعمل على تكريس وتعزيز الشفافية، فإن البعض يشير إلى أن بعض المشاكل تحتاج إلى رفع أكثر من شكوى لحلها، وهذا ما يوضحه محمد الرمضان بقوله: يعتمد الأمر على الجهة التي تم رفع الشكوى إليها، ومن واقع تجربة فإن بعض الجهات يحتاج الأمر معها إلى رفع شكاوى متكررة أكثر من مرة ليتم الحل أو المباشرة فيه بعد ذلك.

ويضيف: للأسف هناك جهات يتم الرفع ورفض الشكوى، أو إرسال رسالة بأنه تمت معالجة المشكلة وإغلاق الشكوى، لكن دون تنفيذ واقعي وملموس، وكأن الأمر مجرد تحقيق الهدف اليومي للوصول لعدد معين من إغلاق الشكاوى التي يكلف بها الموظف، سواء عولجت المشكلة فعليًا أم لم تعالج.

وتابع: هذا لا ينفي وجود جهات تعمل بشكل جدي وسريع على معالجة المشكلة التي تصلها سواء شكاوى أو بلاغات، مع الاهتمام الشديد والملحوظ بالتجاوب، وطلب تقييم العميل للخدمة المقدمة بعد الشكوى.

متابعة البلاغ

من جانبه، يرى رمزي القطيفي أنه لا ضياع لمعاملة وراءها متابع، وهو يؤكد أنه بمجرد وصول رسالة تفيد بـ«إغلاق» البلاغ دونما حل فعلي للمشكلة محل البلاغ، على المشتكي أن يعاود الاتصال مرة أخرى بالجهة المعنية، وإبلاغها باستلام رسالة «إغلاق» البلاغ مع استمرار المشكلة، وهذا أمر ضروري يوضح للجهة المعنية جدية البلاغ، وأنه قيد المتابعة أولًا بأول.

وأضاف: المتابعة المستمرة للبلاغ ستفضي حتمًا إلى النهاية المنشودة وهي إغلاق البلاغ بشكل صحيح، فقد يكون هناك خلط في البلاغات التي ترد للجهة المعنية، فالجهات الخدمية مثل الأمانات والكهرباء والمياه والنقل تمثل القطاعات الأكثر استقبالا للبلاغات، لكن بعض البلاغات قد تهمل أو تفقد بسبب كثرة البلاغات الواردة إلى تلك الجهات، وقد تصل إلى صاحب البلاغ رسالة إغلاق البلاغ، أو كما تحدث عند بعض القطاعات «حفظ المعاملة».

ولفت إلى أن «جسامة البلاغ هي من تعطي البلاغ سرعة وأهمية في التعامل والانتهاء منه بشكل عاجل، وهناك بلاغات تقدم فيه علاجات مؤقتة «سريعًا»، لكن حل المشكلة بشكل كامل يتطلب حجم عمل كبير، وميزانيات كبيرة.

القضاء جهة الفصل

يركز المحامي والمستشار القانوني، هشام الفرج، على أن القانون كفل لمقدم الشكوى أن تتعامل الجهة التي قدمت إليها الشكوى مع شكواه، وفي حال عدم قبوله إجابتها فإن من حقه أن يقاضيها.

ويضيف: أي موضوع يقدم فيه المواطن شكوى لجهة ما ولا يقبل إجابتها، فإن حق التقاضي مكفول له إذا كان متضررًا من الموضوع محل الشكوى أو كان طرفًا فيه.

ولفت إلى أن المحاكم تستقبل دعاوى بشكل مباشر، كما أن المحاكم الإدارية تستقبل تلك الدعاوى إذا لم يقتنع المشتكي «المتظلم» من نتيجة تظلمه أو اعتراضه أمام جهة معينة، حيث يبقى القضاء هو جهة الفصل في حال عدم قناعة الشخص بنتيجة شكواه أو تظلمه.

إجراءات للتأكد من إغلاق الشكوى بالشكل المطلوب

ـ تقييم تحديد مستوى رضا المستفيد.

ـ تفاصيل دقيقة في رسائل توضح مراحل العمل في البلاغ أو الشكوى.

ـ التواصل هاتفيًا مع مقدم البلاغ أو الشكوى لجمع تفاصيل الشكوى والبدء في الحل.