في عام 1928 تعرف همنجواي على (جريجور فيونتس)، صياد كوبي أصبح في الثلاثينات خادما له. وعمل بحارا في القارب الذي كان همنجواي يمتلكه أثناء إقامته في كوبا، وتعمقت بينهما صداقة قوية. حتى أثير بما يشبه اليقين أن همنجواي رسم شخصية الشيخ في روايته الشهيرة التي فازت بجائزة نوبل عام 1952 (الشيخ والبحر) وفي ترجمة أخرى (العجوز والبحر) بإيحاء من شخصية فيونتس، التي أداها سينمائيا في فيلم بديع العملاق (أنتوني كوين) الذي ارتبط بالعرب بعد أدائه شخصية (عمر المختار) مع المخرج السوري/ الأميركي مصطفى العقاد، رحمه الله.
كانت وفاة الصياد الكوبي الذي ألهم الكاتب الأميركي آرنست همنجواي روايته "الشيخ والبحر" عن عمر يناهز 104 أعوام سنة 2002 مجددة لفكرة الإلهام لدى الكاتب/ المبدع. وهي تلك الفكرة التي تلقتها المفاهيم العربية بطريقة الفرزدق (إن خلع ضرس أهون عليّ من قول بيت من الشعر في بعض الأوقات)، وتم تعميم مفهوم (عامي) مضلل للإلهام يتمحور حول (الجن والعفاريت وشياطين الشعر)، لذلك كان طبيعيا ومبرر جدا أن يقرن العامة كثيرا من المبدعين – خاصة الشعراء – بعوالم قوى خفية، خذ (الزار) - في الفلكلور الشعبي - مثلا صارخا على تغييب التفسير العلمي للمسألة كلها وتهميش (تهاويل) كعلم النفس وما تفرع عنه من علوم تغوص في داخل التركيبة النفسية للإنسان، بكل ما يمور فيها من وجد وفرح وأسى وسأم وأشواق وانتظارات قد تطول حتى يشح ماء الفؤاد ويتلون ماء المآقي.
أجل هناك ما يلهم. علميا ثمة شيء يسمونه (المحفز)، فلكل كاتب إلهامه أو (جنيته)، إن شئنا. قد تكون هذه (الجنية) حلما مستعصيا على التحقق، أو فرحا فائضا عن الحاجة وغير مبرر، أو طفولة طافحة الأنس... ودائما هو أحزان عالية، غير أن أسخف الإلهام وأوسعه بؤسا عندما يكون امرأة، استنادا على تقلبات هذا الكائن وتحولاته/ تناقضاته العجيبة التي تتيح مجالا خصبا لأيما مجتهد في السيكولوجيا لأن يقول شيئا.
"كل شيء فيه كان طاعنا في السن باستثناء عينيه، فقد كانتا بلون البحر، وكانتا مبتهجتين وصامدتين.." هكذا وصف همنجواي العجوز الذي كان يقود قاربه (بيلار)، وكان طباخه طيلة ثلاثين عاما.
أتساءل الآن: ماذا لوكان فيونتس امرأة؟!