في البدء هذا المقال موجه بالدرجة الأولى لشريحة معينة من الناس وهم الذين لديهم شغف وحب للمعرفة والاطلاع والعلم، ولكنهم في الوقت نفسه يجدون صعوبة في قراءة الكتب، وقد يكون بعضهم يشتري كثيرا من الكتب، ويملك مكتبة في بيته، ولكنه ما إن يبدأ القراءة حتى يصاب بالملل أو أنه يترك الكتاب لأي سبب آخر ثم لا يعود له مرة أخرى.

إن ثقافتنا العربية تقدس الكتاب بشكل كبير، ومن المفارقات أن الأمة العربية في نفس الوقت تعد اليوم من أقل الأمم قراءة، وقد يكون تقدير ثقافتنا العربية للكتاب إيجابيا من نواح عديدة، ولكنه قد يمنع بشكل نفسي البدائل الأخرى أو يقلل من قدرها، وربما يكون هذا المقال الذي يدعو إلى استخدام وسائل أخرى غير الكتاب جارحا لذائقة بعض المثقفين والقراء، ويشعرون أنه يحاول أن يُنزل الكتاب من عرشه.

أولا يجب أن نعرف أن الهدف من الكتاب هو إيصال المعرفة التي نقلها صاحب الكتاب من ذهنه إلى الكتاب على شكل أحرف وكلمات في سطور كتابه إلى ذهن القارئ، وبما أنك تجد صعوبة في وسيلة المعرفة هذه فليس هناك حرج من أن تجرب وسائل أخرى ولو كمرحلة تمهيدية لاكتساب عادة القراءة، ولحسن حظ هذا الجيل أنه في زمن يغص بوسائل المعرفة البديلة فهناك وسائل بصرية وسمعية عدة،


مثلا متابعة برامج وأفلام وثائقية أو مشاهدة محاضرات أكاديمية وقد أصبح اليوم كثير من المحاضرات في كبرى جامعات العالم متاحة على الإنترنت تستطيع أن تحضرها في منزلك وعبر جهاز التلفون أو غيره من الأجهزة وكثير منها بالمجان، فيما كانت إلى زمن قريب جدا تكلف الدارس عشرات الآلاف من الدولارات والسفر إلى بلدان بعيدة لكي يحضر تلك المحاضرات

وكذلك تستطيع اليوم أن تشاهد بنفس الطريقة الندوات العلمية والنقاشات المعرفية، على كثير من المنصات على شبكات الإنترنت، وكذلك من المُيسر أن تستمع إلى كتب كاملة أو ملخصات أو شروح للكتب على ملفات صوتية مسموعة، وكذلك تسمع البودكاسات في الموضوعات المناسبة لك.

كما يمكنك حضور المساحات أو الاجتماعات واللقاءات الافتراضية الثقافية والعلمية التي تستطيع أن تحضرها، وتشارك وتتعلم النقاش فيها.

وهناك منصات على اليوتيوب مثل «تيد» وغيرها تقدم نبذة قصيرة عن مواضيع مختلفة قد تساعدك في البحث عن المواضيع التي تستهويك، ثم هناك قنوات على اليوتيوب متخصصة في تبسيط العلوم، وهناك كوكبة من الشباب العربي اليوم يقومون بتلخيص بعض الكتب أو تقديم شروح لها، كما أن هناك علماء عرب في بعض التخصصات يقدمون محاضرات وفيديوهات تعليمية، كما أن الفيديوهات وجميع المواد التعليمية والتثقيفية التي بغير اللغة العربية تستطيع اليوم بكل سهولة تحويلها إلى اللغة العربية، (إذا كنت لا تعرف لغتها الأصلية).

الوسائل البديلة للكتاب كثيرة جدا ومتوفرة والأهم وقبل كل شيء تحديد الموضوع الذي يستهويك وتجد شغفا في معرفة تفاصيله والتعمق فيه، ثم عليك أن تكسب المهارة في اختيار المصادر الأفضل والأوثق لتبسيط هذا الموضوع والتعمق فيه، كما سوف تكسب مع الوقت والممارسه مهارة البحث ومقارنة الآراء ومحاكمتها لبعضها البعض ثم تكوين رأيك الخاص بعد أن تُشبع هذا الموضوع بحثا ودراسة، وقد تجد نفسك مع الوقت وباندفاع وحماس الفضول المعرفي أصبحت تقرأ الكتب، ولكن هذه المرة بشغف وبدون ملل.