في الوقت التي تزايدت فيه الشكاوى من تفاوت أسعار الأدوية في المملكة مع أسعارها في الدول المجاورة والمواقع العالمية للصيدليات، أعلنت وزارة التجارة زيادة بلغت 50% بعدد مصانع الأدوية في المملكة خلال 7 سنوات.

الجدل الدائر بشأن أسعار الأدوية داخل المملكة ليس وليد اليوم، وإنما هو قديم، ويتجدد كل فترة، وبلغ ذروته مع إعلان وزارة الصناعة زيادة عدد مصانع المستحضرات والمنتجات الصيدلانية الأساسية في المملكة خلال السنوات السبع الماضية، ما كان يفترض معه انخفاض أسعار الأدوية.

زيادة عدد مصانع الأدوية في المملكة تزامنت مع إطلاق رؤية 2030، التي سعت إلى جعل السعودية مركزا لصناعات الأدوية المهمة في المنطقة عبر عدد وافر من الشركات الكبرى، القادرة على الإسهام في رفع الإنتاج المحلي، وتحقيق الأمن الدوائي، باعتباره أمنا إستراتيجيا، تشدد عليه الرؤية.


ويبلغ حجم سوق الأدوية في المملكة أكثر من 30 مليار ريال سنويا، وهذا الرقم مرشح للزيادة في السنوات القادمة مع زيادة على السكان.

عدد مصانع الأدوية

وفي 2017، لم يزد عدد مصانع الأدوية داخل المملكة على 52 مصنعا، ولكنه قفز إلى 58 مصنعا في 2018، ثم إلى 60 مصنعا في 2019، ثم 65 مصنعا في 2020، و73 مصنعا في 2021، و80 مصنعا في 2022، قبل أن يصل العدد الإجمالي إلى 91 مصنعا في 2023.

الجدال المصاحب لزيادة عدد مصانع الأدوية في المملكة لا يقتصر على أسعار الأدوية فحسب، وإنما على قدرة هذه المصانع على تأمين وظائف شاغر للصيادلة السعوديين الذين لا يجدون وظائف لهم في القطاع الخاص، لأسباب عدة ليس أولها تدني الأجور، والضغط الذي تخلّفه مطالبتهم بإغلاق مستهدف (تارجت) يومي بقدر معين، وليس آخرها سيطرة الصيادلة الأجانب على القطاع.

مبادرات داعمة

أرجعت إدارات شركات أدوية ارتفاع الأسعار إلى أسباب خارجة عن الإرادة. وأكدت أنه ليس بمقدورهم خفض أسعار الدواء بسبب أن معظم الخامات الأساسية لصناعة الأدوية تستورد من الخارج بأسعار مرتفعة.

في المقابل، قامت هيئة الغذاء والدواء بمبادرات عدة، لخفض أسعار الأدوية، حيث وجهت المستثمرين وشركات الأدوية والوكلاء إلى ضرورة العمل على خفض أسعار الدواء، ومعالجة كل الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع أسعاره.

بينما يطالب مراقبون ومواطنون بإصدار قرارات تُلزم المنتجين العالميين بمراجعة أسعار الدواء الواردة إلى المملكة. ويرى هؤلاء أن أسعار الأدوية هي جزء لا يتجزأ من الأمن الدوائي، باعتباره وسيلة لعيش المواطن بصحة مستقرة، معتبرين الأدوية جزءا لا يتجزأ من الأمن الدوائي. كما طالبوا بإبعاد الأدوية عن أي جشع تجاري، ومنع الشركات الخاصة من فرض أسعارها المرتفعة دون مراقبة، وزادوا من مطالبهم بمشاركة منظمات غير ربحية مع هذه الشركات في ضبط الأسعار، والبيع بهامش ربح معقول.

نمو القطاع

يرى الخبير الصحي الدكتور عبدالرحيم توران قاري أن «قطاع الصيدلة يشهد نموا كبيرا متوافقا مع الرؤية الجديدة، وهذا النمو يصب في عدة نواحٍ مهمة، أبرزها السعي لزيادة الإنتاج المحلي فوق 40% ؜ بهدف تحقيق الأمن الدوائي، وهو مطلب مهم برز بشكل واضح في أثناء جائحة كورونا بالتزامن مع ضعف سلاسل الإمداد الدوائي والمستلزمات الصحية مثل الكمامات وما شابه ذلك لدى العديد من الدول، التي اهتمت بتشجيع المحتوى المحلي، لأسباب عدة، اقتصادية وصحية وغيرها».

وقال قاري لـ«الوطن»: «هناك حرص كبير من وزارة الصحة على تشجيع المحتوى المحلي، وإلزام الأطباء والعلماء والمهتمين بالمجال الصحي بالتعامل مع الاسم العلمي للعلاج، وليس الاسم الدوائي، وبهذا لا يكون المريض مضطرا للتعامل مع ماركة أو نوع محدد، وإنما سيتعامل مع الدواء بصرف النظر عن اسم الشركة المنتجة».

وأضاف: «قياسا على ما سبق، فإن الصيدلاني ملزم ببيع العلاج دون النظر لشركة معينة، وبالتالي ذلك يشجع كلا من الصيدلي والصيدلية والمستشفى على تعزيز المحتوى المحلي للأدوية، بما يحمله من مزايا مثل انخفاض القيمة، كونها صناعة وطنية بامتياز».

الخبرة العملية

وانتقل قاري للحديث عن توطين القطاع قائلا: «هناك إشكالية في سوق العمل، فكما هو متعارف عليه نجد أن العامل المرافق للصيدلي يمتلك من الخبرة العملية ما يؤهله لخدمة العميل، وهذا لا يخدم الصيدلي، ولكن أعتقد أن فرض وصف الدواء بالاسم العلمي يسهم في زيادة الطلب على الصيدلي وتوظيفه، للقيام بالتعرف بالدواء المناسب، ونسبة الجرعة المطلوبة».

وأكمل: «اتجهت الصيدليات في الفترة الأخيرة لتوظيف صيادلة ملمين بإنتاج الشركات السعودية الدوائية، ووصف المنتج المحلي بشكل دقيق ومتقن»، مضيفا: «للأسف، ما زال الصيادلة الأجانب يسيطرون على هذه المهنة، وفي الوقت نفسه يحدث هذا ونحن بصدد استقبال أعداد من الخريجين السعوديين سنويا من الصيادلة في حاجة إلى وظائف شاغرة».

الصيدلي السعودي

واستطرد قاري: «في فترة من الفترات كانت النظرة للصيدلاني السعودي نظرة دونية، ولكن هذه النظرة بدأت تندثر مع إلمام الصيدلي الوطني بالكثير من المعلومات والخبرات، فضلا عن دوره في الإجابة عن أي استفسارات صحية دوائية تخدم المريض. كما صدرت تعليمات جديدة بزيادة نسبة السعوديين في الصيدليات. مع ذلك، لا تستوعب الصيدليات حجم الخريجين في هذا المجال، لوجود عوامل قصور، حيث يحتاج الصيدلي إلى التعامل مع صيدليات المستشفيات، ليس هذا فقط، بل ما يمثله دور الصيدلي المهم في تقديم خدمات مشابهة مثل تحضير التغذية الدوائية، والتعامل المباشر مع المريض، وأيضا العمل في المراكز البحثية التي تهتم بتطوير الأدوية، وتصنيفها وإعدادها بدلا من استيرادها وتوزيعها، وأعتقد أن لدينا إمكانات التصنيع والإنتاج والتوزيع بشكل محلي، وكذا التحضير للدواء».

وأردف: «ينبغي أن يكون لشركات الأدوية دورها في استقطاب الصيدلي السعودي، الذي تحتاج له للتعريف بالأدوية والإجابة عن الاستفسارات، وتوفير المعلومات من خلال التدريب والتأهيل»، مستدركا: «هناك نقص في الصيادلة السعوديين بالصيدليات، لعدة أسباب، قد يكون أبرزها ضعف الراتب، وعدم ثبات ساعات العمل يوميا».

الأمن الدوائي

من جهته، اعتبر رئيس اللجنة الصحية في الغرف التجارية، الدكتور محمد صلاح مطبقاني، أن الدواء جزء لا يتجزأ من الأمن الدوائي للمملكة. وقال لـ«الوطن»: «توافر الدواء بأسعار مناسبة مطلب مهم للجميع، على الرغم من أي تداعيات أو ظروف محلية أو عالمية قد تؤثر على توافره أو سعره».

وأضاف: «بالطبع زيادة المصانع الوطنية للأدوية مطلب مهم جدا، ويفترض مع هذه الزيادة أن تتوافر الأدوية الضرورية للمرضي بأسعار في متناول الجميع مقارنة بأسعار بالأدوية المماثلة المستوردة، التي ربما يتأخر وصولها من الخارج إما لأسباب الشحن أو الظروف الأخرى، وعندما تصل إلى المستهلك تكون بأسعار مرتفعة للغاية».

واستطرد الدكتور مطبقاني: «وجود منتج دوائي وطني يفترض أن تكون كلفته قليلة من خلال تجنب أجور الشحن والنقل والمناولة. كما أن الاستعانة بالأيدي الوطنية للعمل في هذه المصانع تساعد في إيجاد فرص وظيفية مختلفة لأبناء الوطن».

كوادر وطنية

شهدت الأعوام العشرة الأخيرة زيادة في عدد الصيادلة السعوديين بنسبة بلغت 56%، حيث وصل عددهم في 2013 إلى 21766 صيدليا، وقفز العدد إلى 34040 صيدليا، يستوعب منهم القطاع الخاص 54%، بينما يستوعب القطاع الحكومي 32%.

وتظهر إحصاءات رسمية لوزارة الصحة متعلقة بالقوى العاملة الصحية في القطاعات الصحية بالمملكة أن عدد الصيادلة في وزارة الصحة كان قد بلغ في 2017 نحو 3.853، منهم 93.1% سعوديون، وارتفع في 2018 إلى 4.006، بلغ السعوديون منهم 93.4%. وفي 2019 بلغ مجموع الصيادلة العاملين في الوزارة 4.221 صيدليا، منهم 93.1% سعوديون، وفي 2020 أصبح مجموعهم 4.358، منهم 96.7% سعوديون. وفي 2021 بلغ مجموع الصيادلة 4.397، نسبة السعوديين 97%.

asf:

عدد مصانع الأدوية في المملكة:

2017 = 52

2018 = 58

2019 = 60

2020 = 65

2021 = 73

2022 = 80

2023 = 2023

عدد الصيادلة السعوديين خلال 10 سنوات:

2013 = 21766

2023 = 34040

نسبة نمو عدد الصيادلة = 56%

توزيع الصيادلة السعوديين حسب القطاع:

القطاع الحكومي = 32%

القطاع الخاص = 54%

عدد الصيادلة السعوديين في وزارة الصحة:

2017 = 3.853

سعوديون = 93.1%

2018 = 4.006

سعوديون = 93.4%

2019 = 4.221

سعوديون = 93.1%

2020 = 4.358

سعوديون = 96.7%

2021 = 4.397

سعوديون = 97%