نقرأ في بعض السير من تعمد ذم نفسه والادعاء بأنه ضحى بصحته، وشبابه، وعانى الحرمان، الجوع، سهر الليالي في سبيل المبادئ، ومساعدة الآخرين، بينما الحقيقة غير ذلك، وهذا ينطبق عليه قول سعيد بن جُبير رحمه الله «من ذم نفسه أمام الناس فقد مدحها فبئس ما صنع».
وكتابة السيرة أو المذكرات تتطلب أسلوباً أدبياً جميلاً وسهلاً، مع مراعاة التوثيق الاحترافي إذا توفر سجل حافل بالإنجازات الملهمة في البيئة التي عاش فيها الكاتب، وما فيها من العبر والدروس المؤثرة وأحياناً التفاخر بشرط وجود ما يبرر له ذلك.
في كتابه «قبل تشييع الجنازة» أكد الروائي المصري سعيد القرش «أن الكتابة غواية أكثر بريقاً وغنى وإغناء وانغماساً في الحياة واقتراباً من البشر المحبين للحياة... ولكنها أيضا فضيحة لايسهل سترها تشهد لصاحبها أو عليه».
ومن المؤكد أن الإنسان إذا أصر على كتابة سيرته وهو متيقن أنه عاش حياته في الظل، دون أثر وتأثير
فذلك عمل يشبه من يطارد سراباً في دفاتر الأيام ويكشف أموراً سترها الله.
إن الإنجازات الحقيقية العظيمة التي صنعها المبدعون ممن خدموا أوطانهم ومجتمعاتهم بصدق وأمانة، فرضت نفسها، وبقيت حاضرة في ذاكرة التاريخ، وهي تستحق الكتابة عنها.
يقول إبراهبم عبدالمجيد في كتابه «استراحة بين الكتب»: «لدي يقين بأن السيرة في عالمنا العربي لا يمكن أن تكون من الشجاعة في الكثير».
وأضاف: «هذا لا يعني أن أطالب الكاتب أي كاتب بأن يكتب ما نريد ... الكاتب في النهاية يرى العلامات في سيرته ويتوقف عندها خاصة حين تكون مظلمة أو مضيئة لآماله أو للحياة من حوله».
وعندما أقبلت وسائل التواصل بقضها وقضيضها، رافقها إنشاء مئات الآلاف من المنصات ذات المساحات المجانية، فهرف نحوها «المهرفون» بمذكرات يومية على شكل سير متقطعة، محشوة بآراء وأخبار ساذجة واختلاق قصص نجاح مشوهة الأطراف، واجترار ذكريات لا تفيد شيئاً، وأولئك لم تنهرهم أعمارهم بعد تقاعدهم من مطاردة وهم بريق الأضواء، وانتظار تغريدة مدح تتلاشى في الأجواء.
وفي المقابل فإن الأمر لا يخلو من مؤلفات لسير ذاتية ومذكرات في غاية الإبداع، وأيضاً وجود منصات إلكترونية لها قيمة ثقافية واجتماعية وإبداعية في الكلمة والمعنى والصورة، تسترعي انتباه القراء والمتابعين من خلال تعزيز المبادئ، وتجسيد القدوة الحسنة في القول والعمل.ونشر التفاؤل وإبراز جمال ملامح ماضينا التليد وحاضرنا المجيد.