تداولت في الآونة الأخيرة الأنباء الصادرة عن وزارة التعليم؛ قرارات حول إسناد التدريس لجميع منسوبي المدرسة لسد العجز؛ ابتداء بمعلمي الموهوبين ثم رائد النشاط ثم الموجه الطلابي ثم الوكيل، وذلك بعد اكتمال أنصبة المعلمين المعتمدة بالتدريس داخل المدرسة.
لا شك أن القرار يُعد إنجازاً ملحوظاً في استشعار أهمية مشاركة منسوبي المدرسة في عملية التدريس، ولكن اعتماده كإنجاز حقيقي وفعلي في فهم المسؤوليات وتبعاتها، لا بد وألا يرتبط إطلاقاً بالنظرة إلى الاستفادة من منسوبي المؤسسة التعليمية بهدف توفير بدلات انتداب لمعلمين آخرين لسد العجز، ولا يجب أن ينظر إليه كذلك كوسيلة للحد من توظيف المعلمين والكفاءات الوطنية المتميزة؛ وإنما لا بد وأن ينظر إليه على أنه استثمار في طاقات وكفاءات علمية عُطلت عن أداء مهنتها الرئيسة وهي التعليم، لأن تحويل المعلم أو تكليف أستاذ الجامعة، إلى منصب إداري بمختلف مسؤولياته ونوع مركزه، لا يعني بالضرورة تجاهل تخصصه العلمي وتعطيله لأنه الأصل في تأهيله وكفاءته.
تجميد الاستفادة من منسوبي التعليم في حال تكليفهم بمهام إدارية، هو هدر لقيمتهم العلمية وتعطيل لكفاءتهم التخصصية، بالطبع لا يعني ذلك أن يتساوى في النصاب مع المعلم الذي لا يتحمل مسؤوليات سوى عمله التدريسي، ولكن ذلك يحتاج إلى تخفيض نصابه بمستوى يناسب نوع المهام الإدارية التي يكلف بها ليتمكن من العطاء المتوازن في مسؤولياته.
ندرك جميعنا ممن مارسوا عملية التعليم أو لا يزالون يمارسونها أن الابتعاد التام عن تخصصه ومجاله العلمي بالعمل الإداري أو ما شابهه؛ يفقده الكثير من تحصيله المعرفي بل ويكاد ينسيه البعض تماماً، ويلاحظ ذلك بوضوح عند المناقشة أو السؤال لأحدهم في مجال تخصصه، تجد الكثير وللأسف أصبحوا لا يفقهون من علمهم شيئاً، ولذلك يجب ألا ينقطع المعلم عن أدائه التعليمي لضمان استمرارية ارتباطه بتخصصه واستيعابه لمسؤوليته المهنية.
هناك من المجتهدين من لا يهمهم سوى الترقيات العلمية والدرجات الأكاديمية لأنفسهم دون اعتبار لقيمة أدائهم المهني في تعليم طلابهم أو في تحمل مسؤولياتهم التي كلفوا بها، وإنما التحصيل الذاتي فقط، وذلك يؤثر بصفة مباشرة كذلك في جودة المخرجات التعليمية وضعفها إذا لم تجد رعاية واهتماما من قائد العملية التعليمية وهو المعلم والأستاذ الجامعي.
التعليم يُعد من أكثر المؤسسات تأثيراً في ارتقاء الوطن وتقدمه؛ لأن مخرجاته هم أبناؤنا وبناتنا العاملون في سوق العمل بجميع مجالاته، ولذلك يحتاج التعليم بصفة خاصة إلى وجود منصة وطنية خاصة به موجهة للمجتمع بأطيافه كافة، ليشاركوا بصفة مستمرة في إبداء آرائهم حول سياسات التعليم ونظامه وقراراته، وللمساهمة في تطوير مستوى أبنائهم واستقبال رؤيتهم ومقترحاتهم حول ما يتخذ من إجراءات وتعليمات مطلوب استقصاء الآراء حولها لرصد الأفكار النيرة، فيكون بذلك التعليم فعلياً مؤسسة تنموية ومجتمعية تهتم بمشاركة المجتمع همومه وطموحه اللائق بالوطن.