انتشرت مؤخرا فكرة معتزلات الكتابة، وهي فكرة خلاقة بحد ذاتها لكنها على مستوى التطبيق والنتائج تحتاج لمزيد من التحسين والمراجعة.

لطالما كانت العزلة ( زمكان) النبوءات والتجليات والتجارب المعرفية العميقة، ومن العزلة كان يعود الحكماء والفلاسفة والرواة والشعراء.

اليوم نحن نرى نمطين من المعتزلات أحدهما ما يمضي إليه الشخص بخطة ذاتية وعلى نفقته الخاصة، وهذه تجربة ثرية أنصح بها كل من استطاع إليها سبيلا.


أما النمط الآخر فهو المعتزلات التي تنظمها الجهات الراعية للكتابة والشعر والأدب، وقد تابعت بعضا منها فوجدتها أقرب إلى فكرة استكشافية منفتحة الأفق ومهيأة لتوقعات أكبر.

ولتحسين برامج المعتزلات أقترح أولا تحديد أهداف كمية ونوعية يترجمها المشاركون إلى إنتاج إبداعي ملموس، وكذلك وضع معايير لقياس الأثر المادي والثقافي العائد من هذه المعتزلات.

معظم المعتزلات تتراوح بين أسبوع إلى عشرة أيام وهذه في رأيي مدة لا تكفي للانخراط في تجربة العزلة على الإطلاق خصوصا مع وجود برامج تدريب وتنقلات مكثفة.

كما أن نوعية المشاركين تلعب دورا مهما في رفع قيمة التجربة الإبداعية، والملاحظ أن معظم المعتزلات تستقطب المبتدئين وأصحاب الإنتاج البسيط وتقدم برامج تدريب أساسي، وهذا يفرغ الاعتزال من معناه كونه في الأصل مرحلة وسيطة هدفها التجلي واستظهار العمق الإنساني والدخول في حالة اتصال مع ذات عارفة وعوالم ممتلئة.

من هنا أقترح أن تصمم تجربة الاعتزال لأشخاص سبروا أغوار الكتابة وتمكنوا من التفكير والتنظير والوعي والسكون بالقدر الكافي لرحلة يفترض أن تكون حالة استدعاء للنفس من ضجيج العالم لمواجهة مع الإدراك والروح والضمير.

متى تحدث العزلة؟ تحدث حين يغرق الشخص وحيدا في لحظته، وحين يمسك وحيدا بذاكرته، وحين يشحذ أدواته ولغته ومعانيه بجهد ذاتي يتآكل معه الوقت ويصمت أمامه كل شيء.

فلا تكون عزلة تلك التي ترافقها أجهزة الاتصال ومنصات التواصل وصور اليوميات واستعراض ذات الأقنعة اليومية التي تحول بين الإنسان وكينونته . لا تكون عزلة تلك التي يحمل فيها الشخص تفاصيل حياته العادية واتصالاته ومواعيده وفواتيره وعلاقاته. العزلة الحقيقية تعتي الفراغ من كل شيء وموجود، لإنتاج شيء ما لم يكن موجودا.