أثار مسلسل «ثانوية النسيم»، الذي يعرض حاليًا على منصة «شاهد» ردود فعل غاضبة في وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة منصة (X) بعد انطلاق حلقاته الأولى، وتناولت التعليقات ما يريد المسلسل تكريسه عن علاقة الطالب بالمعلم، وعن رسائل وصفها مستخدمو تلك الوسائل بـ«السلبية»، إضافة إلى تكريس صورة الطالب «العربجي» الذي يفعل ما يريد، ويفتعل المشاكل داخل المدرسة وخارجها، حتى إن البعض وازى بينه وبين مسرحية «مدرسة المشاغبين» الشهيرة، ولكن بقالب جديد يهدم العلاقة المجتمعية ويربك العملية التعليمية.

وشدد مهتمون بالجانب التربوي على أن العمل سلط الضوء على قضايا مثيرة للجدل عبر سلوكيات سلبية للطلبة داخل المدارس، وجاذبة للترند.

ومع تحقيق حلقات المسلسل ارتفاعًا متصاعدًا بالمشاهدة والمناقشة والجدل عبر منصات التواصل الاجتماعي، صار الأمر مغريًا لكثيرين ممن لن يشاهدوا الحلقات على متابعتها، وانصب اهتمام كثيرين على شخصية عبدالله المعلم، الشاب الحاصل على درجة الماجستير في تطوير التعليم الثانوي من إحدى الجامعات البريطانية، والذي يبدأ مواجهة مع الطالب «مشعل» نايف البحر، ورفاقه الذين شكلوا المحور الأبرز في الأحداث، لكونهم مشاغبين ومتمردين على النظام التعليمي.


تناقضات

يشير المدرب المعتمد، المهتم بالتعليم والتدريب وتطوير المهارات، الموجه الطلابي محمد المضياني، إلى أن مسلسل «ثانوية النسيم» أجاد فنيًا في الإخراج واختيار الممثلين وحبكة الدراما، لكنه استدركًا مع ذلك يحمل العمل عدة تناقضات.

فمن الناحية الفنية، هذا الجيل من الطلاب ذوي الأشناب والأعمار الكبيرة انقرض منذ سنوات، ولم يعد موجودًا في الثانويات، مع أن معطيات المسلسل تصور واقع حياة الناس في الرياض في الوقت الحالي، حيث تستخدم الشخصيات جوالات آيفون، وهناك كافيهات، وأحاديث عن كريستيانو ونيمار والبليهي!، وهذه كلها لم تكن موجودة في مواكبة جيل مشعل وشلته الذين يعبرون عن جيل قبل 15 عامًا تقريبًا.

ويضيف، من الزاوية التربوية أظهر المسلسل صورة مشعل وزملائه كأبطال أقوياء، بينهم فزعة ومرجلة حتى مع العدو، في المقابل أظهر الطلبة المتفوقون «هطف» ضعفاء وتنتشر بينهم الفتنة، وهذ الأمر قد يؤثر سلبًا على الطلبة.

صورة ذهنية أولى

يشير المضياني إلى أن الانطباع الأول والصورة الذهنية الأولى تبقى في الذاكرة خاصة لدى المراهقين، وتلك الصورة التي قدمها المسلسل في البداية، حتى لو جاءت الحلقات الأخيرة بالصور المثالية، وتعديل وتقويم سلوك الطلبة لن يفيد، فالنهاية لن تستغرق سوى عدة مشاهد أو حلقة مقابل عدة حلقات غُرِست طيلة المسلسل وتكونت من مجموعة للصور الذهنية السلبية.

حي النسيم

بين المضياني، أن العمل نقل صورة سيئة عبر المشاهد عن حي النسيم والمدرسة الثانوية في ذات الحي، فقد أظهرت بعض المشاهد صورة لبائع الخمر بشكل الرجل الأنيق المرتب وبرفقته امرأة، وهو يسير بيسر دون خوف!.

وعن صورة المعلم في المسلسل، قال «صناعة الصورة الإيجابية لدور المعلم في السعي لحل مشاكل الطلاب والقرب منهم والتفاني في تحمل كل تعليقاتهم السلبية مقابل النجاح في تغييرهم للأفضل، كانت جيدة، ولكن أظهر المسلسل المعلم خريج الجامعات السعودية بصورة الضعيف الذي لا يقدر على معالجة مشاكل الطلبة، بينما استطاع خريج الجامعة البريطانية أن يكون الأفضل، وأن يلعب دور البطل الذي استطاع وضع الحلول لمعالجة سلوكيات الطلبة».

تجاوز

يشدد المضياني على وجود تجاوز نزامي خلال المسلسل، وقال «لاحظنا أن هناك تجاوزًا من الزاوية النظامية، وتمثل ذلك بأنه للمعلم كامل الصلاحيات في معالجة سلوكيات الطلبة، فيما تم تجاهل دور مدير المدرسة والوكيل والموجه الطلابي، الذين تم تفريغهم لمثل هذه القضايا».

ومن الصور السلبية أيضًا تطفل المعلم على أسر الطلبة وإهماله لبيته وأسرته، وملاحقته للطلبة خارج المدرسة، وهو ما يعكس صورة سلبية عن تطفل المعلم لملاحقة الطلبة وحل مشاكلهم، وهي ليست من صلاحياته، كذلك زيارة آباء الطلبة ولعب الورق معهم من باب التقرب منهم، وهذه ليست الصورة المثالية لأسلوب المعلم المصلح.

غابة بلا نظام

أوضح زاهر أحمد آل بريد، وهو مدير مدرسة، أن «مسلسل ثانوية النسيم سرد درامي يعتمد في تفاصيله على تمرد المراهقين، وصعوبة تعامل المعلمين مع المواقف الميدانية التي تضبطها لوائح السلوك والمواظبة في وزارة التعليم».

وتابع «من خلال متابعتي وجدت بعض الملاحظات بعيدًا عن واقعية السرد من عدمه، فنحن نعيش حقبة زمنية مختلفة، ولا شك أن الإعلام بكل فروعة محرك أساس، وعندما تم صناعة محتوى موجه للمجتمع يفترض أن تحضر المصلحة العامة أولا».

واستطرد «قبل أي هدف آخر، الشباب بحاجة للصور المشرقة والنماذج المضيئة، بعيدًا عن جلد الذات لزمن ماض تخيله المؤلف، وربما لم يعشه لأنه صور ميدان التعليم غابة بلا نظام».

وتابع «مجتمع التعليم أكبر وأرقى من الصورة التي يقدمها المسلسل، قد تكون بعض النماذج والسلوكيات موجودة، لكن ليست بتلك الصورة القاسية والمنفلتة».

وواصل «كنت أتمنى أن يقدم المسلسل قصصًا واقعية بعيدًا عن الفنتازيا التي لها أثر على جيل اليوم المنغمس في التقنية، والذي كان يعتقد أن ماضي التعليم مميز وخرّج نماذج مشرفة للوطن».

وختم «بعد بضع حلقات أصبح الشباب يحاكي تصرفات أبطال المسلسل مشعل وشلته في اللبس وبعض الألفاظ، مما يؤثر على بناء جيل واع ومثقف».

وتساءل «بكل موضوعية، ما هو الهدف المجتمعي من هذا المسلسل الذي يصور ميدان التعليم ضعيفًا وغير منضبط، ولا يوجد فيها نظام ولا حقوق؟!، ونحن نحتاج إلى مسؤولية مجتمعية عند طرح مادة إعلامية تمس أخلاقيات وقيم المجتمع».

دون الـ18

من جانبه قال الناقد الفني، يحيى مفرح زريقان، لـ«الوطن» إن «المسلسل ترك ردود فعل كبيرة لأن جمهوره في مرحلة عمرية تناسب طلبة المرحلة الثانوية، وعلى الرغم من أنه كتب عليه (18+)، بمعنى أن المسلسل غير صالح للمشاهدة ممن هم أقل من 18 سنة، ومن الجميل أن ننتج أعمالا درامية تترك أثرًا وتفاعلا وردود فعل قوية وأثرًا في الساحة، ونحن بحاجة لهذا الحراك الدرامي، ووجود معدل تراكمي في الدراما السعودية».

وتابع «العمل من فصيلة الأكشن والإثارة، وهو رائع في تفاصيله، وتم اللعب على حادثة حدثت في إحدى المدارس، وضخمت هذه الحادثة».

وعن الخطوط الدرامية قال «الخطوط الدرامية تتطلب توازنًا شديدًا في التعامل مع مجريات سير الأحداث، بينما في «ثانوية النسيم» تم التركيز على الأكشن، لكنه أضعف واحدًا من أهم الرسائل الدرامية وهي المعالجة».

مفترق طرق

بين الزريقان أن «طلبة الثانوية في مفترق طرق، والدور الذي قدمه الفنان خالد صقر دورًا محوريًا، وكنت أتمنى أن يرقى إلى أهمية الخط الذي لعب عليه الكاتب والمخرج في إظهار تلك الفعالية في أحداث المسلسل».

واستطرد «هذا النمط من الأعمال مطلوب، لكني أستغرب لماذا يتم التركيز حاليًا على تقديم أعمال لا تعبر عن كثير من الملامح الإيجابية السعودية»، وتابع «قبل ثانوية النسيم كان هناك فيلم (ناقة)، والقرب يكاد يكون واضحًا بين القصتين».

وطالب منصات العرض في حال تم تكرار ذلك بتوجيه المنتجين، وقال «نحن أحوج ما نكون في الوقت الراهن لإظهار جماليات وسلوكيات المجتمع السعودي أمام العالم، وما يتمتع به من خصال حميدة، فالجميع يرغب بالتوازن وإنتاج أعمال فنية مغايرة، ولو تتبعنا أعمال منتج العمل لوجدناها تصب في خانة واحدة»،

وأكمل «ثانوية النسيم ضجيج دون فائدة».

وختم «المعطيات التي يتمتع بها المجتمع السعودي كفيلة بخلق دراما يقف أمامها الجمهور العربي، ففي الدراما المصرية والسورية نشاهد المجتمعين المصري والسوري بجمالياته بتركيبته بمفاهيمه بعاداته وتقاليده وقيمه، وهنا لا بد لنا من الخروج من عنق الزجاجة في إنتاج كبسولات من الأعمال الفنية التي تُصنف في مختلف مناحي الفنون، وعلينا أن نقدم أعمالًا متكاملة، مكتوبة كتابة صحيحة يعتنى بإخراجها مع مراعاة الدلالات والمؤشرات التي تخدم الصالح العام بالدرجة الأولى».

مشاهد محزنة

يقول معلم متقاعد (فضل عدم ذكر اسمه) «من المؤسف أن نجد عملا دراميًا يُثار حوله الجدل، ويصل للترند، وينقل في التفاصيل صورة عن سلبية بعض المعلمين، وعدم مقدرتهم على إدارة الصف أو ضبط سلوكيات الطلبة، والاستسلام لما يمرون به من سلوكيات، خاصة في هذه المرحلة، ومحزن هو المشهد الذي قد يؤثر سلبًا على الطلبة المتميزين بكونهم ضعفاء ويخضعون لأوامر الطلبة المتمردين».

تفاعل اجتماعي

على منصة (X) تفاعل المستخدمون مع المسلسل، وقال المغرد محمد العلياني «المسلسل هو مدرسة المشاغبين بقالب جديد، لذا يجب إيقافه إن كان هناك غيرة على إصلاح التعليم، وبناء جيل ينهض بالمجتمع».

وطالب المغرد، محمد العبدلي، بتدخل وزارتي التعليم والإعلام، وكتب «الدراما والفن والإعلام أسلحة فتاكة يمكن استخدامها للدفاع، وقد تُستخدم للهدم والخراب، وللأسف بعض الأعمال تهدم وتفسد تحت مظلة الفن».

بعيد عن الواقع

من جهة أخرى، أوضح المستشار الأسري، علي العُمري، أن المسلسل لا يحكي واقعنا ولا عاداتنا ولا تقاليدنا، وقال«لا شك أن هناك سلبيات في المدارس، وهناك خلل في التربية في بعض الأسر، لكنها قد تكون حالات دخيلة، ولم تصل إلى حد المشكلة حتى نعممها على المجتمع».

وتابع «مهما كانت أهداف المسلسل، حتى لو كان بعضها يرمي إلى الإصلاح والتصحيح إلا أن عرضه بهذه الدراما الهزيلة وفي هذا الوقت استفز كثيرين، حيث أساء إلى عملية الضبط التربوي للوالدين، كما قلّل من عملية الضبط في إدارة المدارس، وسخر من طريقة التربية والتعليم داخل المدارس، فالأمور لم تصل مطلقًا إلى هذه المهزلة التي صورها المسلسل، حيث أظهر المدارس وكأنها بؤر مافيا لمجموعات متحكمة في إدارة الفصول، ولا يستطيع أحد أن يسقطها أو يواجهها، وقد صوّر المسلسل المعلمين على أنهم شخصيات ضعيفة لا حول لها ولا قوة، وأظهرهم شبه عاجزين، وأنهم يبحثون فقط عن السلامة».

وأكمل «في كل مجتمع مدرسي طلاب غير منضبطين أخلاقيًا، وفيهم المنحرف سلوكيًا، لكنه ولله الحمد قلة، ونسبهم لا تتجاوز 1% من كل مدرسة، ولذا لا أرى فائدة من طرح العمل للأمر على هذا النحو، بل على العكس الأضرار أكبر عند مشاهدته من المراهقين في مدارسنا».

حجر الأساس

علّق المستشار التربوي، عبداللطيف الحمادي، أن «التعليم هو حجر الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات، و‏لا أعلم ما هو الهدف من الإساءة للتعليم والمعلمين بهذه الصورة، خصوصًا أن مثل هذه المسلسلات تعزز وتنشر السلوكيات السلبية، مثل السب واللعن والتنمر والتدخين».

وتابع «قد توجد بعض تلك السلوكيات في المدارس، لكنها ليست بمثل هذا الانحطاط في مستوى الآداب العامة، والتقليل من هيبة المعلم وكسر العلاقة بين الأستاذ والطالب، وظهور المعلم بشكل غير لائق، وما يزيد الأمر سوءًا أن غالبية من يشاهدها هم من الطلاب والمراهقين الذي يحبون التقليد وحب الظهور، وعندما تقدم لهم نموذجًا فيه هذه الصفات السيئة فإنهم يتقمصون الدور بلا وعي، لذا على الجهات المسؤولة منع مثل هذه المسلسلات والأفلام والرقابة عليها».