تشير البيانات السكانية لنتائج إحصاء السكان في العام 2022 إلى أن هناك تفاوتا كبيرا في توزيع السكان ما بين مناطق المملكة، التي تشهد جميعها مشروعات تنموية متباينة في الحجم والنوعية، وعليها يعتمد توزيع السكان ما بين المناطق، إذ تحظى المناطق الرئيسة والمدن الرئيسية فيها بأكبر نسبة من السكان، لارتباط ذلك بفرص العمل والتعليم المتاحة، وما يرتبط بها من مشروعات ومؤسسات خدمية عامة ومتخصصة. وعليه، فإننا نجد أن منطقة الرياض تستحوذ على النسبة الأكبر من سكان المملكة بنسبة تصل لنحو %27 (%26.70)، تليها منطقة مكة المكرمة بنسبة تبلغ نحو %25 من سكان المملكة (%24.93)، ثم المنطقة الشرقية بنسبة تصل إلى نحو %16 (%15.92)، وتحتوي تلك المناطق الثلاث في مجموع سكانها على 67.55% من جملة سكان المملكة، البالغ عددهم 32.175.224 مليون نسمة.
وترتفع نسبة الاستحواذ السكاني لبعض المناطق الرئيسة إذا ما أضفنا منطقتي المدينة المنورة وعسير، اللتين تحتوي كل منهما على 6.64% و6.29% على التوالي من جملة السكان. وبذلك، تحتوي المناطق الخمس على 80.48% من جملة سكان المملكة من المواطنين وغير المواطنين، في حين تتوزع النسبة المتبقية (نحو 20 %من السكان) على ثماني مناطق إدارية أخرى.
ويمتد ذلك التباين الكبير في توزيع السكان حتى على مستوى المنطقة الواحدة، حيث غالبا ما تستحوذ المدينة المركزية للمنطقة (مقر الإمارة) على أكبر نسبة من السكان، وفي ذلك نجد أن الرياض العاصمة يتركز فيها نحو 81.6% من سكان منطقة الرياض، وتستحوذ جدة على 46.8% من سكان منطقة مكة المكرمة، بينما في مدينة مكة المكرمة 30.3% والدمام 29.9% من سكان المنطقة الشرقية، وبالمدينة المنورة 69.1% من سكان منطقة المدينة، وفي خميس مشيط %29.7 من سكان منطقة عسير، بينما في أبها (مقر الإمارة) يوجد 20.9 %من السكان، وببريدة 50.7% من سكان منطقة القصيم، وفي عنيزة 13.8% من سكان المنطقة.
بصفة عامة يلاحظ أن هناك علاقة طردية بين توزيع السكان وتركزهم وما بين نشاط المنطقة التجاري والحكومي، وما يتبع ذلك من مشروعات تنموية مختلفة تتصل بمؤسسات التعليم ومراحله المختلفة، والصحة وما يتصل بها من مستشفيات ومراكز صحية. جميع تلك المقومات التنموية والأنشطة تُشكل عوامل استقطاب للتمركز السكاني والاستيطان البشري، فكلما زادت فرص العمل والتعليم والأنشطة التجارية المتنوعة في المنطقة أو المدينة زادت وتيرة الهجرة السكانية إليها، سواء على مستوى المنطقة أو المناطق جميعها.
لا شك أن ذلك التدفق السكاني نحو المناطق الرئيسة والمدن الرئيسة له تبعات تنموية مختلفة، تؤثر على مستوى الخدمات والخيارات المتاحة للسكان، التي تتضاءل وتنخفض جودتها أحيانا عند عدم التوازن ما بين العرض والطلب، سواء على مستوى النقل والمرور أو السكن أو التعليم والمراكز الصحية وغيرها، وذلك جميعه يؤثر على مستوى الأسعار، والغلاء المرتبط بدوره بحجم الطلب ومستويات المعيشة الموجودة في المناطق الرئيسة. وفي المقابل، فإن ذلك التدفق السكاني يقابله تفريغ للمدن الصغيرة والأرياف من سكانها، خاصة الشباب منهم بسبب الهجرة الداخلية المستمرة نحو المدن الكبيرة، لتوافر مختلف أنواع الفرص والخدمات والمتطلبات فيها بمستوى أفضل نوعا وكما.
تصحيح نمط التوزيع السكاني يتطلب إعادة توجيه مشروعات التنمية بمرافقها المختلفة وأنواعها إلى المدن الصغيرة والأرياف، للحد من ازدحام المدن من جهة، والحد من تفريغ المدن الصغيرة من جهة أخرى، وذلك التمركز والتوزيع غير المتوازن للسكان لا يقتصر بالطبع على المواطنين فقط، وإنما يشمل كذلك غير المواطنين، لأن وفرة فرص العمل هي المحرك الرئيس لاستقطاب السكان جميعهم، وعلى سبيل المثال مدينة الرياض العاصمة، التي يصل فيها عدد السكان إلى نحو 7.009 مليون نسمة، عدد المواطنين فيها أقل من غير المواطنين، إذ يبلغ عدد المواطنين فيها 3.351.4 مليون مواطن، في حين يصل عدد غير المواطنين إلى 3.657.8 مليون غير مواطن.
وكذلك مدينة مكة المكرمة، التي يبلغ عدد سكانها 2.427.9 مليون نسمة، عدد غير المواطنين فيها يبلغ 1.341.0 مليون نسمة، بينما المواطنون 1.086.9 مليون نسمة، وبالمثل مدينة جدة، وهي الأكثر سكانا في المنطقة، إذ يبلغ عدد سكانها 3.751.7 مليون نسمة، وعدد غير المواطنين يصل فيها إلى 2.042.9 مليون، بينما المواطنون 1.708.8 مليون مواطن. أما مدينة الدمام فيكاد يتقارب فيها عدد المواطنين وغير المواطنين، وذلك بـ761.8 ألف مواطن، و770.5 ألف غير مواطن.
تنشيط المشروعات التنموية في المناطق الإدارية الأخرى وتنويعها سيُسهم بقوة في تغيير نمط توزيع السكان، الذي يساعد في تحسين دور تلك المناطق في مستوى إسهامها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة، وتحقيق تطلعاتنا التنموية المأمولة، بل إسهامها في مدخلات الإنتاج المحلي الوطني، وسيسهم ذلك جميعه في معالجة كثير من التحديات التي تواجه التركز السكاني في المناطق الرئيسة ومدنها المركزية.