ولا شك أن تشجيع نظام الغذاء النباتي وتقليص تناول اللحوم أو أنواع الغذاء ذات المصدر الحيواني من أكثر القضايا الاجتماعية والاقتصادية الشائكة في الثقافة الغربية. فأنصار النظام النباتي (النباتيون) دائمًا ما يثيرون قضية تناول اللحوم ويطرحونها في ساحات النقاش ووسائل الإعلام باعتبار تناول اللحوم سلوكًا غير أخلاقي. فأنصار النظام النباتي ينظرون للحوم التي تنتجها المزارع الصناعية ومصانع إنتاج اللحوم على أنها غير أخلاقية للاستهلاك، فالأوضاع التي يتم فيها تربية العجول والأبقار والدجاج للحصول على الغذاء، تعني قتل واستعباد ومعاناة لا داعي لها لملايين الحيوانات، حسب وجهة نظر النباتيين.
وحسب بعض المؤمنين بعقيدة وحدة الوجود، فإنه من التعارض القول بقدسية الكون وكم يجب أن نحب الطبيعة ونحترمها مع الاستمرار في أكل لحوم الحيوانات التي تموت يوميا بصورة قاسية، وتعاني معاناة شديدة قبل ذبحها. مع أنه يمكن البقاء على قيد الحياة والحفاظ على صحتنا باتباع نظام غذاء نباتي بالكامل.
ولفكرة وحدة الوجود والإيمان بها أثر بشكل كبير في الثقافة الغربية ساهم في دفع كثير من أفراد المجتمعات الغربية إلى اتباع النظام النباتي في الأكل. ودفعهم للتفكير بعمق في موقفهم من الطبيعة وفي كيفية ارتباطهم كأفراد بالطبيعة وبكل الكائنات الحية التي تعيش معهم وسط أحضان الطبيعة. نظرتهم للعالم الطبيعي من حولنا اليوم هي أنهم مرتبطون روحيا بالحيوانات والنباتات والتربة والأجرام السماوية وأن لديهم تفويضًا إلهيًا بأن يكونوا قائمين على رعايتها، وبالتالي فإن كونك نباتيًا هو الاستنتاج الوحيد الذي يتوافق مع الإيمان بأن كل شيء إلهي.
نعم، ففكرة وحدة الوجود تمثل الاعتراف بأن كل شيء إلهي خاصة الحياة البيولوجية وما تحتويه من كائنات حية، ومن هنا ظهر لحيز الوجود فكرة نمط الغذاء النباتي. وهناك أفكار مشابهة لها في بعض الديانات الهندية التي تحرم أكل لحوم الأبقار للأسباب نفسها. وهذا لا يعني أن كل النباتيين يعتنقون عقيدة وحدة الوجود، ولكن لوحدة الوجود أثر كبير في انتشار نظام الغذاء النباتي والتشجيع على تبنيه سلوكًا يوميًا في الحياة.
ولا يمكن أن نختزل مشكلة النباتيين في مسألة الرفق بالحيوان، ففي عالم اليوم، العالم الذي تهيمن عليه ثقافة الأسواق الاستهلاكية، الأكل ذاته أصبح ثقافة استهلاكية ويقوم على مبدأ الاستهلاك المفرط. ففي المدن الحديثة حيث الاكتظاظ السكاني الكبير والانتشار الهائل لمطاعم الوجبات السريعة، والمطاعم المعتمدة اعتمادًا كليًا على الغذاء من المصادر الحيوانية، هذا الكم الهائل من المطاعم المنتشرة حول العالم يتطلب توفير كميات كبيرة من اللحوم والمنتجات الحيوانية. لذلك يعتقد أنصار النظام النباتي أن رعي المواشي في أجزاء كبيرة من الطبيعة، لتوفير اللحوم للإنسان, يعد من الأسباب الرئيسة للتصحر وتدمير النظم البيئية للطبيعة، فضلًا عن تحول عملية إنتاج اللحوم لعمل مؤسسي وصناعة تتطلب تقنيات حديثة لتسريع عملية الإنتاج وزيادتها. لذلك يناقش المؤمنون بعقيدة وحدة الوجود أن شركات إنتاج اللحوم كانت مسؤولة عن الدمار الذي طال الطبيعة المقدسة وأدى إلى تدنيسها وإلحاق الأذى بها.
في المجتمعات الغربية لا يمكن تجاهل عقيدة وحدة الوجود عند التعامل مع القضايا المتعلقة بالبيئة وحمايتها، فهناك أبعاد دينية مرتبطة بها وحتى نفهم دوافع كثير من الأفراد والمنظمات الغربية فيلزمنا قبل كل شيء أن نراعي مسألة الموروثات الدينية التي توجه بشكل مباشر أو غير مباشر مبادئ السلوك الشخصي لديهم ومنها على سبيل المثال لا الحصر أخلاقيات الأكل. مبادئ السلوك تنطلق من موروثات دينية وفلسفات يونانية قديمة ومن مجال فكري كبير يقع وسط إطار فكري كبير يسمى (فلسفة الأخلاق) يضع الحدود الفاصلة بين الخير والشر، وما يمكن اعتباره خيرًا أو شرًا، انطلاقًا من رؤيتهم الخاصة تجاه الكون والحياة. وفي بعض الثقافات التي تؤمن بفكرة وحدة الوجود نجد ميلًا تجاه تحريم أكل لحوم الحيوانات باعتبار أن التجربة الدينية للمؤمن بوحدة الوجود تتفاعل بشكل مباشر مع العالم الطبيعي وتعتبر ما يسكنه أنه مقدس وإلهي.