غادرت ظهر السبت الماضي الجامعة متوجهة للمنزل، وما إن دخلت السيارة حتى بادرت زوجي بقولي" لقد تعبت من الوقوف لأكثر من خمس ساعات، ولأن الطرف الآخر لم يكن مشجعا للحوار التزمت الصمت.. دقائق معدودة وصلت بعدها للمنزل لأرى ابني البكر واقفا أمامي وهناك سمعت الخبر.. والحقيقة لم أتمكن من التعليق، فقد أصابني الوجوم، فاستفسرت.. لعلي سمعت غير ما قيل، فذاك الأمير الهمام- رحمه الله- لا يجلس إلا ليقوم مجددا، ولا يستريح إلا ليعاود العمل، مدركا عظم ما هو منوط به كولي للعهد ووزير للداخلية.. الأمير نايف، رحمه الله، كان يخدم دينه وبلاده ومليكه ليل نهار ودون كلل أو ملل.
لقد كان صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز- رحمه الله - قبل أيام على رأس العمل، وقد كان الإعلام الداخلي والخارجي والأصدقاء والأعداء يتابعون عمله ونشاطه وتفانيه في خدمة الوطن لسنوات. كان، رحمه الله سبحانه، لا يتوانى ولا يتخاذل، كان كالأسد في عرينه، يهابه القاصي والداني، إنصاته إنصات الحكماء، فإذا تحدث ألجم الخصم وأفحمه.
وفي هذا الصدد، يجدر بي أن أتحدث عن موقف لسمو الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - أثر فيّ وما زال، فقد أبتليت بتجربة منذ سنوات عدة ولم أجد من ينصفني ويساندني بعد الله سبحانه، كما فعل سموه الكريم، فجزاه الله عني خيرا، وجزى الأقلام والمنتديات التي انبرت للدفاع عني خيرا، ففي حين تجنبني البعض خوفا، والبعض الآخر أخذ يسترق النظر متسائلا أما زلت على قيد الحياة؟! أما زال قلمي يتحرك؟! كنت أحاول أن أتماسك وأن أتابع حياتي، مقنعة نفسي أن ما حدث لم يكن إلا زوبعة في فنجان، إلا أن الذي هز كياني كانت طعنات صوبت نحوي من داخل الوطن، عندها لم أجد، بعد الله سبحانه، من ينصت لمعاناتي بصبر واهتمام كما فعل صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز، بارك الله فيه، لقد أنصت لمعاناتي، وأطال الإنصات، ثم عمد - بعد الله - لإعادة ثقتي إلى عهدها، ولأعود بحول الله سبحانه أقوى مما كنت، وأدعو المولى سبحانه أن تكون أعماله كلها حجة له يوم القيامة، بإذن الله، فقد رفع عني بسعة صدره وحكمته هما ثقيلا كاد يطيح بي.. رحمك الله يا أميرنا وأسكنك فردوسه الأعلى، وألهم بعظيم فضله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، حفظه الله، والشعب السعودي والعالم الإسلامي والعربي وفلسطين المحتلة التي أنّتْ لفراقك.. الصبر والسلوان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
إن الشعب السعودي حزن كثيرا في الفترة الأخيرة، لكن الله بعظيم فضله وسلطانه أكرمنا ومنَّ علينا بملك حكيم في قراراته، يقدر الرجال حق قدرهم، حفظه الله وأمد في عمره، ووهبه الصحة والعافية وأعاننا لنكون عند حسن ظنه، فقد اختار - حفظه الله - لولاية العهد فأحسن الاختيار.. اختار رجل المهمات الصعبة الوفي المخلص والحريص على مصالح الوطن ومصالح العباد.. اختار رجلا أحبه الشعب السعودي وتطلع إليه، فالأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، حفظه الله، لا تعرف نفسه السكون.. أمير يصر على العمل أثناء الدوام وخارجه، فعندما كان أميرا على الرياض كان له مجلس يستقبل فيه المواطنين وينصت لشكاواهم بكثير من الاهتمام والرعاية، أبوابه مشرعة دوما تستقبل المراجعين، وبعد أن أصبح وزيرا للدفاع رأيناه إما في شمال المملكة أو في جنوبها أو في شرقها أو في غربها أو في وسطها، أو في مهمة خارجية، وأجزم أن لسان حاله اليوم يقول: (إنه تكليف وليس تشريفا).
ونحن في يوم البيعة ندعو الله تعالى أن يبارك فيمن أمر بالبيعة، وفي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، حفظه الله، الذي أرسل برقية لخادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، يقول فيها: "أتوجه إلى المولى جل وعلا بالدعاء أن يحفظكم ويطيل في عمركم ويمدكم بالمزيد من عونه وتسديده الدائمين، وأن يوفقني للسير على نهجكم المسدد وسياستكم الحكيمة الراشدة التي استمديتموها من والدكم الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن تغمده الله بواسع رحمته، وإنني إذ أعاهد الله ثم أعاهدكم يا سيدي أن أكون مخلصاً لديني ثم لمقامكم الكريم وهذا الوطن العزيز وفيا لثوابته الراسخة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتي لن نحيد عنها بحوله تعالى".. وعلى ذلك نبايعكم يا ولي العهد، أطال الله في عمركم وأبقاكم لخادم الحرمين الشريفين وللبلاد والعباد ذخرا، إنه سبحانه وليّ ذلك والقادر عليه.