وإضافة إلى ما سبق أنشأ العدو الوحدة 8200 التابعة لهيئة المخابرات الصهيوني، وهي عبارة عن جيش من المبرمجين المحترفين الذين يمكنهم اختراق الهواتف وأجهزة الكمبيوتر والتسلل إلى الصفحات والمواقع والمنصات لإثارة الفتنة وإشعال الحرائق الطائفية والدينية والعرقية، لإثارة السذج الذين ينخرطون في هذه الحرائق الإلكترونية كي تجعل منهم أدوات لخدمة سياساتهم الإجرامية دون مقابل.
ولكنهم ليسوا السلاح الإلكتروني الوحيد الذي يستخدم، لأن الكيان الصهيوني يستخدم ويتلاعب بالمعلومات من خلال منصة تدعى «عمليّة كناري: Canary Mission»، حيث يتم نشر ملفات شخصية عن الأكاديميين والطلاب الذين يدعمون فلسطين، لعرقلة تقدمهم الوظيفي! تأسست هذه المنصة عام 2014، وتقوم بإنشاء «قائمة سوداء» من خلال تصنيف المؤيدين للفلسطينيين، بما في ذلك اليهود الذين يعارضون العنف الذي ينتهجه الكيان الصهيوني، بحجة أنهم معادين للسامية، لإفساد حياتهم المهنية؛ من مهامهم جمع معلومات عن الأكاديميين والطلاب ثم نشر هذه المعلومات دون الحصول على إذن لتشويه سمعة وترهيب كل من يتجرأ ويؤيد القضية الفلسطينية.
تستهدف المنصة في المقام الأول الطلاب والأكاديميين المسلمين والعرب والمهاجرين، ولكنها مؤخرًا بدأت بضم أسماء اليهود الذين يعارضون الاحتلال لفلسطين، والملفت للنظر أن الملفات الشخصية المنشورة على الموقع، والتي تعتمد على معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر فيما يتعلق بالأفراد والمنظمات، تحتوي أيضًا على معلومات قد تتضمن تفاصيل خاصة وشخصية، أما في عمليات البحث على جوجل، فبات المحرك يظهر في أعلى قائمة نتائج البحث، المعلومات الصادرة عن هذه المنصة المتطرفة، وليس من مواقع الضحايا المستهدفون الرسمية!
لقد صرحت مجموعة «عمليّة كناري» عن رؤيتها المتطرفة وإستراتيجيتها المضللة بشكل واضح في أول مقطع فيديو لها نشر في أبريل 2015، حيث يُظهر المقطع الذي تبلغ مدته دقيقتين صورًا ليهود مع نجوم صفراء على ملابسهم تليها صور لنساء يرتدين الحجاب ويلوّحن بالأعلام الفلسطينية. وتختتم الراوية الفيديو بالقول: «من واجبك التأكد من أن متطرفي اليوم ليسوا موظفين الغد»!
إن هذه المنصة ليست الوحيدة ولن تكون الأخيرة، بل توجد قوائم سوداء على الإنترنت للمدافعين عن فلسطين تم إطلاقها عام 2002، وكان أبرزها منصة «مراقبة الحرم الجامعي: Campus Watch»، وهو موقع يديره «دانييل بايبس»، واستهدفت القائمة السوداء التي وضعها الأساتذة الجامعيين الذين انتقدوا إسرائيل والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وبالرغم من أن الموقع قام بإزالة الملفات الأصلية، فإنه لا يزال يحتوي على قائمة «الأساتذة الذين يجب تجنبهم» بسبب سياساتهم.
اليوم تشمل منصة «عمليّة كناري»، التي ولدت في عصر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أعدادًا من الأسماء أكبر بكثير مما تم إدراجه في قائمة «مراقبة الحرم الجامعي»، وباتت تستهدف الطلاب أكثر من استهداف الأساتذة، كما أنها استفادت من سرعة الانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي، فنشرت ملفاتها على تويتر، والفيس بوك ومنصات أخرى، وبذلك أعطت أشرس كلاب الصهاينة وأكثرهم صخبًا على الإنترنت قائمة بالأهداف التي يجب التنمر عليها ومضايقتها، وهم قاموا ويقومون بالواجب وأكثر!
يعتقد بيل مولن، أستاذ الدراسات الأمريكية في جامعة بوردو ومؤسس منظمة «ضد كناري ميشن»، أنها الأكثر أهمية وفعالية بين المجموعات المؤيدة للكيان الصهيوني في تخويف النشطاء بسبب وجودها في كل مكان، ووجودها على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، إضافة إلى نموها المستمر بتحديث نتائجها المتواصل.
لم يكتف عملاء منصة «عمليّة كناري» بالتشهير عبر الإنترنت وإدراج القائمة السوداء، بل شاركوا أيضًا في التخويف الجسدي، فعلى سبيل المثال لا الحصر في جامعة جورج واشنطن ذكرت إحدى المشاركات، إنه في عام 2018، عشية التصويت على قرار الحكومة الطلابية الذي يدعو الجامعة إلى سحب استثماراتها من الشركات التي تستفيد من الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني، ظهر فجأة رجلان قويان يرتديان ملابس الكناري الصفراء في بهو المبنى الذي كان من المقرر أن يجري فيه التصويت داخل الجامعة، ثم قاما بأداء رقصة غريبة ومخيفة؛ كان هدفهم هو تعزيز منشورات «عمليّة كناري» التي نشرت في جميع أنحاء الحرم الجامعي بشكل كبير، تنصح الطلاب بالتصويت ضد القرار ومهاجمة النشطاء الطلابيين وكان مضمون هذا التصرف هو الرسالة التالية للمشاركين: «لا توجد أسرار، سنعرف تصويتك وسنتصرف وفقًا لذلك»، ثم يظهر لنا طلبة وطالبات من اليهود الصهاينة في حرم الجامعات الأمريكية يشتكون ويتباكون أمام الإعلام بأنهم باتوا يشعرون بالخوف من أعداء السامية!
أما بالنسبة للتمويل المالي، فإنها تحظى بعلاقات وثيقة مع وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية وجهاز المخابرات الشاباك، وتتلقى تمويلًا كبيرًا من اللوبي اليهودي في أمريكا، كما أظهرت بعض التقارير لصحفيين في المجال الاستقصائي أن المنصة تقبل التبرعات المعفاة من الضرائب علنًا من خلال موقعها على الإنترنت، وسلط أحد هؤلاء الصحفيين الضوء على الروابط السرية للغاية للمنظمة مع المخابرات الإسرائيلية والممولين الأمريكيين، على غرار التجسس الإسرائيلي في الولايات المتحدة، وكشفت صحيفة هآرتس أنه تم تحويل الأموال إلى منظمة «عمليّة كناري» من خلال ما يسمى بالمنظمة غير الربحية «ميجاموت شالوم».
قد يكونوا نجحوا مع البعض من خلال الملاحقة والترهيب، لكن على ما يبدو أن أعداد الذين لم يعودوا يهتمون بهم في ازدياد، وهم ماضون في نضالهم لنشر الحقائق وجذب الانتباه إلى كل الانتهاكات التي ترتكبها تلك المنظمات وتوثيقها من أجل ملاحقتهم قضائيًا، بل أن الكثير منهم بات يعتبر أن مجرد وجوده على هذه القوائم هو وسام شرف، وكما يقال: الكلاب تنبح والقافلة تسير!