تشير بيانات الهيئة العامة للإحصاء في آخر إحصاء منشور للربع الثالث من عام 2023، إلى استمرارية انخفاض المشتغلين من المواطنين بصفة عامة في السوق الوطني في جميع القطاعات من العام والخاص، إذ لا تتعدى نسبة المشتغلين منهم %32.46 من المشتغلين بالسوق، وذلك دون احتساب العمالة المنزلية التي ترتفع نسبتها وحدها إلى 3.738.591 عاملا، في حين ترتفع نسبة غير السعوديين في السوق السعودي من المشتغلين إلى %67.53 من جملة المشتغلين في السوق، بل وترتفع نسبة غير السعوديين إذا احتسبنا العمالة المنزلية إلى %75.20.
وحيث إن القطاع الخاص هو المستهدف في التوظيف باعتباره الجهة المنتجة في السوق، بينما يُعنى القطاع العام بمسؤولية وضع الأنظمة والتشريعات الضابطة لسوق العمل؛ فإن نسبة السعوديين تنخفض في القطاع الخاص إلى %22.11 من جملة المشتغلين في القطاع الخاص، في حين ترتفع النسبة لغير السعوديين إلى %77.88 من المشتغلين في القطاع الخاص ذاته، ومن جهة أخرى فإن القطاع العام ما زال يستحوذ على النسبة الأكبر من المشتغلين المواطنين وذلك أمر طبيعي، ويمثلون فيه نسبة %91.39 بينما يعمل غير السعوديين بنسبة %8.60 في نفس القطاع.
لا ننكر أن هناك ارتفاعا نسبيا في توظيف (المشتغلين) السعوديين في القطاع الخاص، عند المقارنة ما بين الربع الثالث من عام 2018 والفترة نفسها من عام 2023، وذلك من جملة السعوديين المشتغلين وليس من جملة المشتغلين في سوق العمل، فبعد أن كان 29.7 من السعوديين يشتغلون في القطاع الخاص في عام 2018، ارتفعت نسبتهم إلى %47.3 في الربع الثالث من عام 2023، وعليه فقد انخفضت نسبتهم في القطاع العام من %69.9 في (2018) إلى %52.0 (2023).
كما أنه لا بد وأن نشير إلى انخفاض نسبة البطالة بين السعوديين من %12.7 في الربع الثالث من عام 2017 إلى %8.6 في الربع الثالث من عام 2023، وتلك جهود ملحوظة ولا يمكن إغفالها أو تهميشها، ولكن مما نحتاج استدراكه هو أن نسب البطالة عندما تنخفض مقارنة مع فترة سابقة، يقابلها في الفترة الحالية تراكم مخرجات جديدة ومتتابعة من المواطنين المؤهلين من الجامعات والابتعاث ومن الكليات المختلفة من العامة والخاصة، ولذلك عندما نتابع نسبة المشتغلين السعوديين في القطاع الخاص؛ نجدها تكاد تكون ثابتة إذ لم تتغيرإلا تغيرا بسيطا، بسبب إن التوظيف ما زال مرتفعاً لغير السعوديين، بما يشكل تحدياً مضافاً في محاولة تصحيح واقع الموارد البشرية في سوق العمل، وبما يحول دون توازنه وإصلاحه، لتحقيق نسب مرضية من التوظيف للسعوديين الذين يتضاعفون مع نهاية كل عام بسبب زيادة مخرجات التعليم بمستوياته المختلفة، وبالتالي تتنوع جهودهم نحو البحث عن عمل يناسب مؤهلاتهم وتميزهم.
سياسات التوظيف والتوطين وما يتعلق بها من إجراءات وآليات يلتزم بتنفيذها القطاع الخاص والقطاع العام؛ تحتاج إلى متابعة حثيثة ومراقبة شفافة لتطبيقها بما يخدم مستهدفاتنا التنموية، وبما يسهم في تيسير توظيف وتدريب المواطنين في القطاعات المختلفة، وذلك إيماناً بأن الوطن هو التطلع الأول والأخير للمواطن عند بحثه عن عمل، بينما تتعدد الفرص الأخرى لغير المواطنين في الدول الأخرى.
المواطن السعودي يُعد سلعة منافسة في السوق الإقليمي بل والدولي، وذلك بفضل من الله وبفضل جهود وطنية بُذلت لعقود لتحسين مخرجاتنا ولتمكين مقدراتنا البشرية بالتأهيل والتدريب، ولكن المواطن السعودي دائماً يكون خياره الأول في التوظيف الوطن، ولا يتطلع إلى فرص أخرى خارجه إلا إذا وجد الفرص الأفضل لاستقطابه، وهو يبحث عن عمل أو لا يجد مكانه اللائق بمؤهلاته وقدراته في وظيفة يشغلها أو عمل يقوم به.