بعدما كان اللجوء إلى خيار إجراء العمليات الطبية القيصرية خيارًا طبيًا تقتضيه الضرورة القصوى حين تتعذر الولادة الطبيعة أو تحفها كثير من المخاطر سواء على الحامل أو على الجنين، صار اللجوء إليها الآن يشهد ارتفاعات ملحوظة في صفوف الحوامل من الزوجات الصغيرات (الجيل الجديد)، حتى أن كثيرين باتوا يشككون في أن يكون اللجوء إليها مجرد خيار طبي، وكأنها صارت بمثابة «موضة»، بعدما كانت عملية نادرة الحدوث، يفكر الأطباء والحامل وذووها كثيرًا قبل أن يقدموا عليها مضطرين.

واللافت أن نسبة الولادات القيصرية بلغت خلال العام الماضي 2023 وحده 35% من مجموع الولادات في المملكة مقابل 64.9% للولادات طبيعية، وذلك حسب تقرير إحصاءات صحة المرأة والرعاية الإنجابية الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء في 30 أكتوبر الماضي.

الولادة القيصرية


تعرّف الولادة القيصرية (Cesarean Section) بأنها جراحة يتم خلالها شق جدار البطن والرحم لاستخراج الجنين، ويمكن أن تكون الحامل على دراية مسبقة بأنها بحاجة إليها، أو قد يتم تقرير الحاجة إليها أثناء الولادة العادية عندما تكون الأم أو الطفل في خطر.

وتصنف الولادة القيصرية التي قد تجرى تأثير التخدير العام أو تخدير فوق الجافية (التخدير النصفي) بأنها من العمليات الكبرى.

وحين يتقرر إجراء ولادة قيصرية أثناء الحمل، فإن ذلك يستلزم إعطاء تعليمات كاملة للحامل حول ما يجب أن تقوم به للتقليل من خطر حدوث مضاعفات أثناء الولادة، لإجراء ولادة قيصرية ناجحة، حيث تخضع لكثير من الفحوصات بما فيها فحوصات الدم للتأكد من صحة الحامل قبل الولادة القيصرية، وتسجيل فصيلة دمها حال احتاجت لنقل الدم أثناء العملية، وأن تخضه كل الأدوية والمكملات الغذائية التي تستخدمها للمراقبة ويمكن إيقاف بعض تلك الأدوية قبل العملية لتفادي تطور المضاعفات أثناء الجراحة، مع مراقبة مميعات الدم، إضافة إلى إجراءات تحضيرية أخرى.

أسباب طبية

يبيّن الدكتور مروان شجاع الدين، استشاري أمراض النساء والتوليد بمستشفى الأم، أن هناك عددًا من الأسباب الطبية التي تدفع الطبيب لاتخاذ قرار إجراء ولادة قيصرية، وهو إجراء له متا يبرره.

وقال «ثمة أسباب طبية عدة تضطر الأطباء إلى اللجوء لإجراء العملية القيصرية، بعضها يتعلق بالأم، مثل إصابتها بأمراض مثل السكري والضغط وضيق الحوض، وأخرى تتعلق بالطفل، في حال كان وزنه أكثر من أربعة كيلوجرامات، أو كان وضعه كجنين في رحم والدته ذا وضع مستعرض أو مقعدي، أو كانت نبضاته ضعيفة أو حركته قليلة».

وأكد أن «الأم تخضع إلى عملية الولادة القيصرية بعد أن يتم إفهامها مضار ومنافع العملية من حيث طول مدة الشفاء ومضاعفات التخدير أو النزيف، كما قد تخضع إلى التخدير العام أو التخدير النصفي من خلال إبرة الظهر التي من الممكن استخدامها في الولادة الطبيعية والقيصرية، حيث تمكّن الأم من رؤية تفاصيل الولادة حتى خروج الطفل إلى النور».

خوف من الولادة

أشارت الدكتورة إنصاف عبدالله، وهي أخصائية نساء وتوليد في مستشفى الشفاء التخصصي إلى أن «الولادة القيصرية وجدت كخيار طبي لإنقاذ حياة الأم والطفل، إلا أن خوف فتيات هذا الجيل ورغبتهن بالهروب من ألم الولادة الطبيعية، أو رغبتهن بالحفاظ على سلامة عضلات الأعضاء التناسلية وحمايتها من الارتخاء جعلتهن يفضلن اللجوء إلى هذا الخيار حتى دون مبررات طبية جدية أو مخيفة تحتم تجنب الولادة الطبيعية».

وأكدت «بالرغم من إلحاح الحامل على طلب أن تلد قيصريا، فإنه لا يتم الانصياع إلى رغبتها، بل تتم توعيتها بفوائد الولادة الطبيعية وأهميتها، وذلك من أجل صحتها وصحة طفلها، إضافة إلى الحرص على تجنيبها مخاطر ومضاعفات الولادة القيصرية».

وأضافت «عادة يتم اللجوء إلى عملية الولادة القيصرية في حالات محددة ولتوفر عدد من الأسباب، من أهمها وضع الجنين، تعسر الولادة الطبيعة، عدم اتساع عنق الرحم، تعب الطفل وقلة نبضه».

وأنهت حديثها بأن «الولادة الطبيعية هي الحل الأمثل والأفضل للأم من أجل صحتها الإنجابية مستقبلا».

الطفل الثمين

لا تلقي الدكتورة إيمان أحمد، استشارية أمراض النساء والتوليد في مستشفى الأم، باللوم فقط على خيارات الحوامل اللواتي يفضلن اللجوء للولادة القيصرية لأسباب عدة، وتقول «لا يمكن القول إن رغبة الحوامل بالولادة القيصرية تأتي فقط لأسباب واهية، وأنها هي السبب في رفع معدلات الولادة القيصرية مقارنة بما كان الحال عليه في السابق».

وهي تشرح أن «من أهم أسباب زيادة معدلات الولادة القيصرية هو الحمل في سن متقدمة، أي مع كبر العمر، نتيجة لتأخر سن الزواج، الأمر الذي أدى إلى اختيار الولادة قيصرية كخيار يقلّل نسبة الخطورة على الأم والطفل، ويضمن ولادتها بسلام».

وتابعت «إضافة إلى ذلك، فإن زيادة نسب الحمل عن طريق الحقن المجهري، وأطفال الأنابيب، وكذلك المنشطات التي جعلت بدورها الطفل طفلًا ثمينًا ويجب ولادته قيصريًا، حيث تعد هذه من الوسائل المكلفة ماديًا، والتي تكون الولادة القيصرية معها هي الخيار الأفضل».

ويستخدم تعبير «الطفل الثمين» للدلالة على الطفل الذي يأتي بعد حمل طال انتظاره، نتيجة لمجموعة من المحاولات، وقد يكون الحمل مصحوبًا ببعض الخطر والمشاكل التي يمكن أن تؤثر سلبا على استمراره، وهناك عدد من الأمثلة على ذلك، منها طفل الأنابيب، وذلك ينتج بسبب بعض العوامل التي تؤثر على الطفل بسبب وجود بعض المشاكل التي تشكل عائق ما قبل أن يحدث الحمل، أو بسبب القلق على المولود من أن يحدث له مكروه.

ويلعب عمر الأم دورًا مهما في تحديد «الطفل الثمين» خاصة إذا كان عمرها يزيد عن الـ40 عامًا، أو يكون هناك مشاكل صحية تؤثر سلبًا على الأم مثل ارتفاع ضغط الدم، الإصابة بمرض القلب، أو ارتفاع ضغط الدم، او الإصابة بسكر الحمل، أو نتيجة الخشية من حدوث مضاعفات للجنين ومنها تشوه الحمل.

حديث المجالس

من جهتها، تشير شادن حمدي، وهي أخصائية نفسية في مستشفى الشفاء التخصصي إلى أن «من أهم أسباب لجوء سيدات جيل اليوم إلى العمليات القيصرية الخوف من آلام الولادة، خاصة إذا كانت ولادتهن هي الأولى لكل منهن».

وتضيف «غالبًا ما تستمع المرأة الحامل قبيل ولادتها الأولى إلى تجارب عدد من السيدات في مجالس النساء، وكل واحدة منهن تروي ما مرت به أثناء الولادة الطبيعية من انتظار وتوتر وآلام، وبالتالي تؤثرهذه القصص بشكل سلبي على المرأة الحامل لتأخذ قرار إجراء العملية القيصرية دون تفكير».

خوف من الألم

يشدد نجوى محمد على أن ما ذكرته الأخصائية شادن حمدي هو تجربة عاشتها بنفسها، وتقول «خلال حملي بطفلي الأول اتفقت مع طبيبتي على إجراء عملية قيصرية لي، لأنني كنت أخاف من الولادة الطبيعية بعدما عايشت عددًا من القصص والمشاهد المؤلمة التي تعرضت لها أخواتي وصديقاتي أثناء ولاداتهن الطبيعية ابتداءً من اللحظات الأولى لآلام المخاض، وانتهاءً بالمضاعفات التي تعرضن لها فيما بعد».

وتابعت «ما دام الخيار متاحًا أمامي لتجنب هذه اللحظات العصيبة، فلم لا أختاره».

رفاهية ووجاهة

لا تسقط نوف محمد (27 سنة) خيار الرفاهية والوجاهة الذي توفره لها الولادة القيصرية حسب زعمها، وتقول «من مميزات الولاده القيصرية وأسباب اللجوء إليها عند ولادة مولودي الأول، الرفاهية والوجاهة أمام الأهل والصديقات، وهما يتوفران ويتحققان من إشرافي بنفسي على كل إجراءات استقبال طفلي، كما أستطيع اختيار يوم ميلاده، وموعد ولادته، ومتابعة لحظه خروجه إلى هذا العالم دون ألم».

وأضافت «طبيبتي التي تابعت معي مراحل الحمل لم تخيرني بين الولادة الطبيعية والقيصرية، وإنما منذ اليوم الأول للحمل كان قرار الولاده قيصرية متخذا، لتجنب الشعور بألم الولادة الطبيعية وعدم تعريض مولودي للخطر».

المعاناه ضعفين

يقول عبدالله (38 عامًا) أنه وزوجته اضطرا لاتخاذ خيار الولادة القيصرية، وقال «لجأت زوجتي إلى الولادة القيصرية في ولادتها الرابعة، فقد كانت ولاداتها الثلاث السابقة طبيعية، ولكن الألم الذي مرت به وعاشته وشاركتها إياه في الولادة الرابعة لم يكن طبيعيًا أبدًا، فمن يقوى على هذه الآلام التي استمرت لأكثر من 24 ساعة».

وأضاف «عانت زوجتي كثيرًا من آلام المخاض، وكان بالإمكان أن ولادة كبيعية إلا أن كبر حجم الطفل، إضافة إلى خروج الماء كله من رحمها قاد الطبيبة لاتخاذ قرار الولادة القيصرية حفاظا على حياة الأم والطفل، وقد كانت معاناتها هذه المرة أضعاف المرات السابقة».

من أجل الجمال

مقابل خيار الاضطرار الذي لجأ إليه عبدالله وزوجته، فإن رهف أحمد تعد واحدة من النساء اللواتي فضلن إجراء عملية قيصرية دون مبرر طبي يحول دون ولادتهن طبيعيًا.

تقول رهف «أردت من خيار اللجوء إلى الولادة القيصرية الحفاظ على جمالي ورشاقتي وعلاقتي الزوجية الحميمية».

وأكدت أن «الاهتمام بالجمال والأمور الزوجية لا تقل أهمية عن إنجاب الأطفال والعناية بهم».

الموضة واحتياجاتها

تشير سهام عبدالله إلى أن كثيرًا من سيدات الجيل الجديد يتعاملن مع الولادة القيصرية على أنها بمثابة «موضة»، وكثيرًا ما يكون قرارهن باللجوء إليها هو من قبيل الغيرة من صديقة أو قريبة حدثتهن عن أن الولادة القيصرية جنبتها كثيرًا من متاعب الولادة الطبيعية.

في المقابل، يرى مختصون أن معالجة إقبال أمهات اليوم على الولادة القيصرية بدون مبررات طبية تستدعي ذلك بحاجة إلى نشر ثقافة طبية حول الصحة الإنجابية ومخاطر هذه الولادة مستقبلا على صحة الأم، وأيضًا الطفل الذي يولد مظلومًا بحرمانه من الرضاعة الطبيعية التي تشكل بنية جسده ومناعته فينشأ ضعيف المناعة، ومن ثم يتعرض لعدم القدره على مواجهة الأمراض والفيروسات مستقبلا.

وتحتاج هذه الثقافة إلى حملات توعوية عبر وسائل الإعلام المختلفة لتوعية لفتيات حتى ينشأن على وعي طبي يسهم في تشكيل قراراتهن بطريقة إيجابية تنعكس عليهن وعلى أطفالهن ومن ثم على المجتمع.

الولادات خلال 2023

35 % الولادات القيصرية

64.9 % الولادات الطبيعية

أسباب طبية للقيصرية

ـ إصابة الحامل بأمراض مثل السكري والضغط وضيق الحوض

ـ وزن الجنين يفوق 4 كيلوجرامات

ـ وضع الجنين في رحم والدته إذا كان وضع مستعرض أو مقعدي

ـ نبضات الجنين ضعيفة أو حركته قليلة

أسباب أخرى للقيصرية

ـ تأخر الزواج يقود إلى تقدم السن بالحوامل ويؤدي لزيادة مخاطر الولادة الطبيعية على الأم والطفل

ـ كون الجنين طفل ثمين تم الحمل به عن طريق الحقن المجهري والأنابيب والمنشطات

ـ تخوف الحامل من آلام الولادة الطبيعية خصوصًا في ولادتها الأولى

ـ توتر الحامل نتيجة سماع حكايات سلبية من مجالس النساء حول آلام ومخاطر الولادة الطبيعية

ـ الرغبة في الحفاظ على جمالها وتجنب ما تؤثر به الولادة الطبيعية على جسم الأم بعد الولادة

ـ حرص الحامل على تقرير موعد وتوقيت ولادتها ومتابعة تفاصيل الولادة لحظة بلحظة