يقول أنشتاين «لا يمكننا حل مشاكلنا بنفس طريقة ومستوى التفكير الذي خلقها».

قبل أيام اجتمع وزير التعليم يوسف البنيان مع كتاب الرأي، وكثير من المسؤولين يأتون للقاء الإعلاميين والكتاب، ويكون في جعبتهم العديد من المحاور، وعادة ما يكون حديثهم الرئيسي هو سرد ما يعتقدون أنه إنجازاتهم ومن باب نحن عملنا ونحن سوينا، والبعض قد يبرر قليلا أنه ليس لدينا أخطاء أو تم فهمنا بطريقة خاطئة، لكن لقاء يوسف البنيان كان استثنائيا ومختلفا، الرجل كان عمليا متواضعا واقعيا تحدث بصراحة وبشفافية نادرا ما تجدها ببعض المسؤولين، تحدث عن المشاكل والصعوبات والوضع الحالي، جرت العادة في مقالتنا أن ننتقد المسؤولين لكن يبدو أن الوزير أحضر معه للوزارة مدرسة سابك المبنية على الواقعية والصراحة والتحليل العملي المبني على أسس الشفافية لحل المشاكل وكان يتحدث بلغة الأرقام !

لا شك أن أول وأهم خطوة لحل مشكلة هو الاعتراف والتعامل معها بشفافية ومن ثم تحليلها على أسس علمية ومن ثم وضع الحلول والمتابعة!


تكلم الوزير عن عدة محاور فيما يخص التعليم، وعرج بشكل مبسط على التعليم العالي والجامعات.

وربما في المستقبل سيتحدث عن التعليم العالي بشكل أكثر تفصيلا.

قبل سنوات وفي عدة مقالات كتبنا عن وضع العديد من الجامعات السعودية وعن التدهور الذي تعانيه رغم الدعم الهائل، وقلنا حتى لو لم تتدهور فإن بقاءك في مكانك بينما العالم يتقدم هو رجوع للخلف!

وركزنا على نقطتين أساسيتين:

أن العديد من الجامعات السعودية أصبحت مثل (الماء الطهور) لا لون ولا طعم ولا رائحة، ليست لها شخصية تميزها، أذكر قبل سنوات زرت مؤتمر التعليم وتفاجأت وأنا أسأل بعض مسؤولي الجامعات السعودية عن جامعاتهم أنه لا توجد رسالة أو رؤية مميزة أم ماذا يميزهم عن غيرهم بل كلام إنشائي مكرر، وكلهم يعيدونه كأنّه قص ولزق من بعضهم، لدرجة أني سألت أكثر من واحد: هذا الكلام نفسه سمعته ممن قبلكم فماذا يميزكم؟ فردوا ولماذا نختلف عن غيرنا كلنا جامعات! وأعترف من بعدها غسلت يدي ولم أحضر مؤتمر تعليم آخر! ولست هنا لأعطي أمثلة عن الجامعات العالمية وكل له شخصيته وما يميزه ويمثله، فالأمثلة أكثر مما تحصى بل هو في صميم كل جامعة، بل هذا هو السؤال المحوري الذي يشغل كل الجامعات العالمية ماذا يميزنا وماذا سيميزنا مستقبلا عن البقية ! ويبدو أن عبارة الماء الطهور التي يفضلها الدكتور عثمان الصيني يمكن استخدامها في عدة مجالات وليس الإعلام فقط !

النقطة الثانية، قبل سنوات كتبنا كرأي شخصي أن حوالي 70 %من المسؤولين في البلد ليسوا أكفاء لشغل مناصبهم، وليست لديهم المهارات اللازمة لذلك، وابتدأ هجوم قاسٍ علينا وعلى الجريدة، ولم تتوقف الهجمة إلا عندما أنصفنا سمو ولي العهد بلقائه الشهير وذكر رقما مقاربا. وأعتقد شخصيا أن هذا الرقم ينطبق أيضا على مسؤولي وإدارة الجامعات ولذلك طالبنا في عدة مقالات ومن عدة وزراء أن يكون منصب رئيس الجامعة شرفيا، وأن تدار الجامعة بواسطة رئيس تنفيذي وإداري متمكن بغض النظر عن خلفيته الأكاديمية، للأسف البعض يعتقد أن الأكاديمي الجيد هو إداري جيد ويستطيع إدارة جامعة بينما الجامعة هي منظومة متكاملة تحتاج إداريًا متمكنًا، لو أحضرنا رؤساء تنفيذيين عالميين أو حتى محليين من قطاعات أخرى مثل الشركات أو حتى البنوك لكان أنجح وأفضل، ولا يأتي البعض يقول الجامعة ليست كالشركة، نعم نعلم أن الجامعات ليست كالشركات، ولها رسالة وأهداف مختلفة وأنها ليست منظمة ربحية، ونحن أكاديميون ودرسنا ودرسنا في أكثر من خمسة أنظمة تعليمية حول قارات العالم، لكن في ظل عدم نجاح العديد من مجالس الأمناء في تطوير الجامعات بالصورة المأمولة وفي ظل عدم كفاءة بعض الإدارات، إلى متى ستبقى الجامعات معتمدة على الحكومة بالتغذية بالملعقة (سبون فيلدنغ)!

الجامعات تحتاج عقليات إدارية وطريقة جديدة في الإدارة والرؤية والتميز، لذلك نرى أن جامعات خاصة جديدة ميزانياتها أقل بمراحل من الجامعات الحكومية بدأت تتفوق والسبب العقلية والإدارة!.

لقد وجدنا من حديث يوسف البنيان أنه شخص وضع الجامعات بدقة وببساطة أفضل من كثير من الأكاديميين الذين أمضوا عقودًا فيها، هل هو بسبب (العيون الجديدة) وتعني النظر إلى مشكلة أو موقف بطريقة جديدة أو مختلفة ودون منظور متحيز، وربما بسبب أنه لم يدخل في المعمعة التي قد تسلب مع الوقت من الشخص القدرة على رؤية الأمور من زاوية مختلفة، أم هل هو بسبب الواقعية والعملية والعقلية الإدارية في رؤية المشاكل والحلول التي اكتسبها من إدارة واحدة من أكبر الكيانات العالمية؟ قد يكون كلاهما!

شخصيا أتفهم كليا وأؤيد أن يأتي وزير تعليم من خارج مجال التعليم، فقد وصلنا مرحلة أن مسؤولي التعليم أصبحوا نسخًا مكررة من بعض في التفكير، والبيروقراطية وإعادة استهلاك نفس الأفكار، لدرجة أنه لا يوجد صندوق حتي تفكر خارجه، صار الوضع إعادة تدوير لنفس الأفكار والحلول!

وكما قال أنشتاين «لا يمكننا حل مشاكلنا بنفس طريقة ومستوى التفكير الذي خلقها» وأيضًا بالأشخاص أتفسهم الذين تسببوا فيها، لذلك نرى إداريًا متمكنًا من خارج القطاع سيؤدي أفضل، وفي كل الأحوال الوزير البنيان وضع يده على الجرح وحدد وحلل المشاكل، لكن يبقى الجزء الثاني والأهم هل يستطيع حل مشاكل التعليم؟!

مهمته صعبة وأصعب من إدارة الشركة كثيرا، ومعروف في علم الإدارة أن إدارة التغيير من أصعب المهام وأعقدها، هذا في مجال الشركات التي يكون الموظفون أكثر تقبلا للتغيير فما بالك بالمجال الحكومي! وما بالك أيضا بالمجال الأكاديمي! فالعراقيل كثيرة ودعونا أيضا نعترف أن العديد من الأكاديميين يعانون من مشكلة (الايجو) وأيضا عنيدون بعض الشيء، وليس انتقاصا من الأكاديميين، فهذه مشكلة معروفة عالميا وربعنا ونعرفهم.

نتمنى للوزير النجاح في هذه المهمة الكبيرة والشاقة لأن التعليم فعلا يحتاج إلى التغيير وشئنا أم أبينا التعليم هو أساس لكل مجال آخر ولتقدم البلد، وببساطة (تعليم جيد يعني بلدا مزدهرا ومتطورا).

وربما للنجاح في هذه المهمة الكبيرة وتغيير عقلية وأداء التعليم في المملكة نحتاج بعض التغيير الجذري، وفي هذا الخصوص نحن من مؤيدي عبارة غازي القصيبي الذي هو بالمناسبة أحد مؤسسي سابك (محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون أفكارا قديمة هي مضيعة للجهد والوقت).