أحمل للمغفور له صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ذكـرياتٍ خاصـة، ولا أظن أن من الحكمـة البـوح بكاملها، وسأحاول تسـطير بعضها، لافتاً النظر إلى أن تفاصيل الباقي وهي كثـيرة في صدور ثلاثة فقط ممن أحب..
ففي عام 1426 أُبلغت عنه، رحمه الله، بأمر، ففكرت منعاً للتطويل أن أطلب مقابلة سموه لأتحقق بنفسي، وبعد أيام أتتني الموافقة وأنا خارج البلاد، فطلبت التأجيل، فأُجبت بعد ساعات بموافقة الأمير على ما حددت، رغم أني من طلب الموعد، ولما وصلت ذهبت للمقابلة في (مثل هذا اليوم)، الذي صادف اليوم التالي لنهاية أحداث خلية حي المبـاركية أو الحمراء بالدمَّـام، وفي مخيلتي ما يذكر عن سموه من حزم وعزم.. بدأني الأمير بقول: "لو لم تطلب لقائي لطلبت لقاءك، فأنا أقدر أبناء الأسر العلمية، وأنا أمامك هنا بصفتي الشخصية قبل أي صفة.. لست عالماً، ولكني أحب الاطلاع، والالتقاء بأهل العلم، ومن أكثرهم فضلاً علي الإمام الشيخ عبدالله خياط، كتبت أنعيه رغم أني لست كاتبا.."
ذهنية الأمير حاضرة للغاية، وكنت كلما أجد فرصة للسؤال أسأل و(يستمع)؛ فيجيب، ثم يعود إلى ذات النقطة التي توقفنا عندها، ومما قاله: "إن مهمة الإنسان التقرب إلى الله، والبعد عن الذنوب، والتزام صافي العقيدة، وتحقيق الإيمان، والاعتراف بالخلاف دون تشدد أو تصنيف".. حدثني سموه عن صفته الرسمية فقال: "أنا كمسؤول أجير لدى المواطن، همي هداية الباغي، وسلامة الناس، والنجاة بهم ممن سخروهم لأهدافهم، بالحوار والنقاش".. في أثناء الحديث سألني الأمير عرضاً عن مصدر رزقي، فأجبت بأني في خير بحمد الله، وسألـني هل تعرف محتاجين؟ فأجبت بنعم، ثم استمر سموه ليقول: "أنا دائماً أردد: اللهم لا تجعلني ظالماً ولا مظلوما، وعليكم يا طلبة العلم تحمل مسؤولية تصحيح الأفكار وتقويمها".. استأذنت الأمير للمغادرة بعد أن أطلت عليه بأكثر من ساعتـين كاملتين، منفرديْن بلا ثالث، فأذن، وقال: "لا تتردد في التواصل معي"، وبعد أيام وصلتني مساعدة سموه لمن سألني عنهم.
بعد تسعة أسابيع من ذلك اللقاء الحميمي وأثناء سفر الأمير لقضاء إجازته السنوية تجدد بلاغ آخر، فما كان مني إلا أن اتصلت به، فأوصلوني به وهو خارج البلاد، فقال لي: "لا تهتم، ولا يكون خاطرك إلا طيب".. قلت له أريد رؤيتكم، قال: "عند عودتي بحـول الله"، وبالفعل وبمجرد رجوعه قابلتـه على انفراد في أول أيــام التشريق بمشعر منى، ومعي ابني محمد؛ الذي سعد بنصيحة سموه، وقال لي: "لا يكون في بالك شيء، والأمور ستنتهي كما تحب"، وبالفعل قُضي الأمر، وتمت مناقشة تطوير وسائل الدعاة، وتنمية فقه المقاصد بأمر الأمير، وتكررت عدة لقاءات عامة.. هذه السنة طلبت المقابلة لشؤون عامة، ولم تتيسر لضغوطات العمل، وأوصلتها مكتوبة يدوياً لابنه الأكبر الأمير سعود، الذي أعزيه وإخوانه الأمراء محمد ونواف وفهد، متيقنٌ أنها قد أخذت أو ستأخذ مجراها.. غفر الله لفقيدنا الراحل؛ النايف مكانة ومسؤولية، وعزاؤنا فيه مشترك.
سمعاً وطاعة.. حباً وكرامة:
أسعدني إسراع اختيار ولي الأمر للأمير الأمين سلمان ولياً لعهده؛ وتسعدني مبايعته على ذلك، كما أسعدني تعيين الأمير أحمد وزيراً للداخلية.. فلا كالحكمة ولا كالطمأنينة.. اللهم سدد ووفق.