ظهر وزير الشؤون الإسلامية الدكتورعبداللطيف آل الشيخ في برنامج «في الصورة»، فتحدّث بصراحة وتلقائية في عدَّة ملفات، مذكِّرًا السَّامع بالتجديد الذي تحياه السعودية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين ووليِّ عهده الأمين، فالوزير كان قد عمل مع الملك سلمان بن عبدالعزيز حين كان أميرًا، مرجعًا الفضل لأهل الفضل، فذكر عظيم استفادته منه بالإخلاص في العمل والمثابرة والجد، ورجع بالتاريخ إلى مرحلة متقدِّمة حين كان العديد من الدُّعاة يطلبون الدَّعم المالي لهم في أوروبا وغيرها، وحين دقق وفحص، وجد أنَّ الأموال التي ينفقها أهل الخير تعود إلى جهات غيرِ مستحقة.

والدولةُ اليومَ هي التي توجه الناس إلى القنوات الرَّسمية لفعل الخير، وقد ارتفع الوعي بين المواطنين بضرورة المراقبة، وأنه لا يجوز لأيِّ جهة أن تجمع الأموال والتبرعات، بل لا بد أن تكون من القنوات المرخصة لهذا الغرض. وأسهم الوزير في سابق عهده في محاربة الغلو والتطرّف، ولا يزال يعرف أنَّ فلول الجماعات التي حاربها تتربص به، لذا تذيع عنه الشائعات، لكنَّ زمان إحسان الظن بهؤلاء وتصديق ادعاءاتهم ولّى إلى حيثُ لا رجعة، حيث استمع كثيرون لما قاله الوزير، فما كان في خطابه إلا الصراحة، والحرص على مصلحة الوطن، والتذكير بالسَّمع والطاعة لقيادته الرشيدة.

وقد ذكر ما كان في سابق العهد حين كان إلزام الطلّاب بقراءة كتب جماعة الإخوان، حتى يحصّلوا على بعض الزيادة في الدرجات بشهاداتهم، حين بسطت جماعة الإخوان سلطانها في التعليم، حتى جاء العهد الذي حطّم ما بنوه بأسرع ما يكون، فتنفس المواطن الصعداء وهو يستمع إلى ولي العهد وهو يشخّص المشكلة على أفضل وجه بحديثه عن اختراق التعليم من جماعة الإخوان وفروعها، وأنَّه لا يقبل أن يضيع الوطن ثلاثين سنة أخرى من عمره، بل سيدمرهم فورًا، فوعد وأوفى، وعاهد فصدق.


كان الوزير قد تعرّض لموجات من السَّعي لتشويه جهوده في الإصلاح، فكان مما أشاعته فلول جماعة الإخوان ما اتخذه من قرار منع الإيذاء برفع أصوات سمّاعات المساجد، فذكر مصنّفه في هذا، وبيّن أنّه مسبوق من عدد من أهل العلم، وأنّه تابعهم فيما قرروه، حيث إن النهي عن التهويش بقراءة القرآن جاء في عدّة أحاديث، لكنَّ هؤلاء الذين يخاصمونه إنما يفعلون هذا لمواقفه الأساسية بالانحياز إلى الوطن وقيادته، فيتصيّدون في الماء العكر، وكما قيل:

عيرتني بالشيب وهو وقار *** ليتها عيّرت بما هو عارُ

ولم تكن الأخطار التي واجهها تنحصر في الشائعات، بل بما فيه سعي إلى الإعدام معنويًا، حتى تعرّض مكتبه لإطلاق النار بالرَّصاص الحيِّ، فنجّاه الله منهم، وهو ثابت على مبدأ الوسطية والاعتدال، وأنَّ الوطن خطٌ أحمر لا مجال فيه للمساومة، وبقي على هذا العهد يتنقّل من مجال إلى آخر كمحارب بين الجبهات من محاربة الأفكار الضَّالة التي تهاجم الوطن، حتى وصل إلى الفساد الذي ينهش في مقدّرات الوطن من المال العام، فلاحق الوظائف التي يشغلها من لا يقوم فيها بعمل، فكان ما وجده ستة عشر ألف وظيفة لا يقوم بها أصحابها، معبرا عن هذا بطرافة: «تعاملوا مع الأمر على أنّه ضمان اجتماعي!»، فمنع هذا الإهدار في المال العام، وفتح الباب لأضعافه من الوظائف الحقيقية بأكثر من خمسين ألف وظيفة يقوم بها أصحابها بعملهم المطلوب منهم.

صارح الناس بما وجده من هذا الإهدار كأن تكون مؤسسة المسجد موضع استغلال من مشفى أو بنك، أو حتى من مزرعة تجارية. كل هذه الملاحقة مجهود ملاحظ، لكنّه على تواضعه المعهود فلا يكاد يذكر جهده المرهق في منصبه، بل يعمم في ذكر الجهود، فيذكر من حوله ممن يعاونونه على الأمانة التي تولّاها، ولا يزال يؤكد حرصه على فكرة المؤسسة، والتواصل مع الناس، فذكّر المواطنين، كعادته في لقاءاته، بضرورة التواصل مع الوزارة والمسؤولين فيها، لبيان ملاحظة أو مطلب، حتى يكون العمل على أكمل وجه ممكن. وكان من صور الوفاء أن ذكر زوجته متأثرًا، سائلًا الله أن يشفيها، حافظًا لها معونتها له في شبابه، في لقاء يفيض بالإنسانية، والانتماء للوطن، حتى العائلة.

هو وزير منّا وفينا، فحق على جميع المواطنين أن يعرفوا قدر من خدموا هذا الوطن، وسعوا إلى ما عليه السعودية اليوم.