من زار الديوان الملكي مؤخرا، يصاب بالدهشة والذهول من الطريقة الحضارية التي يغمر بها الديوان مراجعيه من حفاوة وضيافة وحسن استقبال منذ لحظة وصولهم واستلامهم الأرقام إلى تجليسهم بمنتهى الاحترام وحفظ كرامتهم، إلى مراعاة الظروف الصحية لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن وإلى تقديم الخدمة لهم بما يليق بهم وبوجوه باسمة ملؤها البشاشة ومرحبة بحرفية الموظف المتمرس والمتقن لعمله، لا يضجرون ولا يغضبون من مراجع أنهكه السفر أو آخر هده المرض أو ثالث جاء بحثا عن مخرج لنائبة من نوائب الدهر.

إنهم موظفون يغمرون مراجعيهم بمودتهم, ويطوقونهم بالود والاحترام حد الزهو. لا تسمع لهم صوتاً يجرح مشاعر المراجعين أو كلمة تخدش كرامتهم. إنهم يتدفقون عطاءً ويفيضون أريحيةً ويزرعون (المكان دفئاً أسرياً وحميمية عائلية تظن معها أنك في ضيافة أحدهم في بيته وليس في عمله.

للقهوة العربية طقوس يعرفها العربي ويتباهى بها كرما وضيافة وحفاوة، لكن للقهوة العربية في هذا الديوان رائحة خاصة ومذاقاً خاصا. فهنا يمتزج الكرم العربي مع الأسلوب العصري لخدمة الجمهور. مع أن فلسفة خدمة الجمهور أساسا تهدف لكسب رضا الجمهور كجزء من المردود المادي الذي ترجوه الشركة أو البنك من وراء مراجعيه، أما في الديوان، فخدمة الجمهور لا يقصد من ورائها ربح مادي، وإنما الهدف منها حفظ كرامة المراجعين وتقديم إرثنا العربي في التعامل بأسلوب عصري، ولذلك يمتلئ الإنسان احتراما وتحضراً وينتصر لجودة الخدمة وحسن التعامل في مكان كهذا وبطريقة كهذه، هنا يتباهى الإنسان بالكيفية التي تعامل بها الموظفون معه حتى لو لم يتحقق ما جاء من أجله.

إن خدمة الجمهور التي يتعامل بها موظفو الديوان الملكي فريدةٌ في بيئتنا الإدارية الحكومية وغير الحكومية، إنها مدرسة ثقافية تسويقية جديدة لم يصلها حتى القطاع الخاص، من هنا أرى أن تعمم وتلزم بها الأجهزة الحكومية الخدمية.

والديوان - حسبما فهمت من أحد الإخوة - يطبق هذا المنهج ليس فقط للجمهور المتواجد هناك، وإنما يقدم الديوان خدمة مماثلة عبر نظامه الآلي. فحين تتصل تجد من يجيبك إلكترونياً ويطلب منك أن تدخل الرقم المناسب للخدمة التي تريد ويتيح لك تتبع معاملتك ومعرفة رقم المعاملة والقرار الذي اتخذ بشأنها، هذا عدا الاهتمام الخاص الذي يولى لطلبات العلاج, حيث ترسل للمراجع رسالة نصية على هاتفه الجوال تفيده بوصول طلبه وتزويده برقم قيد معاملته وكذلك رقم صادر المعاملة عند الانتهاء بنفس الطريقة, وعندما لايستطيع المراجع الوصول للمعلومة التي يبحث عنها آليا يستطيع الوصول للموظف المكلف بالرد الهاتفي لمساعدته للحصول على تلك المعلومة, دون الحاجة لتكبد عناء المجيء أو ربما مشقّة السفر أحيانا من مناطق بعيدة.

إنها ثورة إدارية ثقافية يقودها الديوان، فمن أين أتت و من وراءها؟ لا شك أن الموظفين خضعوا لتدريب مكثف لكيفية التعامل مع الجمهور، ولكن بالتأكيد إن التدريب وحده لا يكفي لزرع ثقافة إدارية وتسويقية بهذا الحجم وبهذه السرعة لولا وجود مهندسين لهذه الثقافة الإدارية وقدوة يقتدي بها العاملون في هذا الديوان. فمهندسو هذه المدرسة الذين آمنوا بالهدف هم الشيخ خالد التويجري، رئيس الديوان والأستاذ خالد العيسى نائب الرئيس، وهذا واضح في منهجهما منذ البدء.

أما القدوة في دماثة الخلق وحسن التعامل مع كل المواطنين دون تفريق فهو الرجل الأول في الديوان وفي الدولة إنه الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي تعودنا مشاهد استقباله للمواطنين وألفناها بكل احترام وتواضع ولين جانب مع الكبير والصغير ومع المرأة والرجل، أينما استقبلهم يُجلِس بنفسه كبارَ السن والمرضى ويمضي ساعات طوال وهو يسلم عليهم ويرحب بهم ويدعوهم لمائدته ويحتسي معهم القهوة والشاي أثناء استماعه لشكواهم على اختلاف لهجاتهم ومستوياتهم العلمية.

إنَ ما يرسمُ الصورةَ الذهنيةَ الإيجابيةَ عن المؤسسة أو الجهاز ليست الحملات الإعلامية أو الإعلانية، بل هي المروءة والأريحية من النفوس الكريمة بالكلمة الطيبةً والابتسامة الصادقة في وجوه المراجعين ولطافة التعامل معهم ليمتص غضب المتعبين منهم أو يهون مصيبة المكلومين ومواساة المصابين منهم. إنها الطريقة المثلى لكسب رضا المراجعين وامتصاص ردة فعلهم (حتى لو لم يحققوا ما جاءوا من أجله)، وهي الطريقة السحرية لرسم الصورة الذهنية الإيجابية عن المؤسسة أو الجهاز وليس هناك بعد ذلك حاجة لدفع مبالغ طائلة في تصميم حملات لتحسين الصورة الذهنية لأي مؤسسة.