سألني شقيقي خالد قبل نحو 3 أشهر أن أقترح عليه هدية لأمي. قدمت له قائمة بالاقتراحات. لكن قائمتي لم ترق له. قطف هدية من بنات أفكاره. رأى أن جهاز (آي فون) الأنسب لها. عارضته كوني أدرك حجم تعلق والدتنا بجهازها (نوكيا) وعدم رغبتها في التخلي عنه، ناهيك عن عدم إلمامها بالتقنية وأجهزة (أبل) تحديدا. بيد أنه أصر على موقفه، مؤمنا أنها ستتعلم عليه وستتقبله. اتصلت عليّ أمي فور أن أهداها خالد الجهاز مشيرة إلى أنه أحرجها بهذه الهدية، التي لا تناسبها، لكنها ستضطر لاستخدامه لفترة محدودة؛ حتى لا تجرح مشاعره قبل أن تعود لجهازها القديم متذرعة بعدم تكيفها مع الجديد. لكن لاحظتُ أن الفترة المحدودة انقضت وما زالت أمي تستعمل جوالها الجديد، وليس ذلك فحسب بل صارت تبعث لي عبره بـ(فيديوهات) و(برودكاستات) و(مقالات) و(خواطر). شعرتُ إزاء هذه السيولة المتدفقة منه أن أمي وقعت في غرامه. وعندما هاتفتها وسألتها مباشرة: هل تراجعت عن أقوالك السابقة، وأحببتِ ما تمسكينه بيدك الآن؟ ضحكت عاليا كأنها تضحك لأول مرة. استنشقت سعادتها من وراء البحار.

اليوم صار (الآي فون) هو رفيق أمي الدائم. تقرأ فيه القرآن والأذكار والأدعية والمقالات والنكت. وتتبادل مع أصدقائها وأحبتها الرسائل. منحها حياة جديدة وحيوية غفيرة كانت ستحرم منها لولا مبادرة شقيقي خالد.

إننا دائما نحرم كبارنا وأحبتنا من سعادة في متناولنا بذريعة تقدمهم في السن. نحكم عليهم بالموت المبكر غير مدركين أن ما يناسبنا قد يناسبهم، لكنهم يحتاجون فقط إلى تشجيع وترغيب. نندهش عندما نرى كبار الغرب يستخدمون أحدث الأجهزة ويرتدون على الموضة ويبتسمون بينما كبارنا يهرمون ويتألمون، متناسين أننا ساهمنا في هذا الذبول بعزوفنا عن تحفيزهم ودعمهم.

إن المرء عدو ما يجهل. جهلنا بالأشياء يجعلنا نقاومها ونحاربها، ولكن معرفتنا بها يجعلنا نألفها ونعانقها. ما ينسحب على (الآي فون) ينسحب على كل الأجهزة والتقنيات الحديثة وحتى الأفكار. الجديد دائما مصدر قلق وتوجس بيد أنه سرعان ما يكون مصدر سعادة وإلهام بعد أن نستكشفه ونعتاد عليه.

مقاومتي المبكرة لهدية شقيقي جعلتني أكثر أيمانا من أي وقت مضى بضرورة الحذر من تفصيل الهدايا حسب السن. التفصيل مهنة الخياط. لا توجد تعليمات على الهواتف الذكية أو الأجهزة الحديثة تشير إلى أنها لا تناسب من هم فوق الخمسين، هذه التعليمات في رؤوسنا فقط. من الحري أن نستأصلها من جذورها إذا أردنا إسعادهم.

ما زلت أتذكر احتفاء الصحافة البريطانية بالمعمرة، ليليان لوي (104 أعوام) إثر مشاركتها الفاعلة في موقعي التواصل الاجتماعي، "فيس بوك" و"تويتر". وقبلها أيفي بين (102 عام)، التي استقبلها رئيس الورزاء البريطاني السابق، جوردن براون، في مكتبه بداوننج ستريت، وهنأها على ابتسامتها وتغريدها، الذي جذب أكثر من 50 ألف متابع ومتابعة.

والطريف أن جهاز الكمبيوتر الذي استخدمته أيفي للتغريد في تويتر، كان من إدارة الشؤون الاجتماعية البريطانية، التي ترى أن الإنترنت يمنح الجميع دون استثناء الكثير من السعادة. في المقابل، ترى الكثير من أجهزة الشؤون الاجتماعية العربية أن واجباتها تنحصر في تقديم رواتب محدودة للمستفيدين منها، متجاهلين مشاعر المحتاجين ومعنوياتهم وأثرها على صحتهم.

لا توجد متعة تضاهي متعة إجادة التعاطي مع تقنية جديدة. متعة تشعرك بأنك ملكت الدنيا وما عليها. لمَ لا نجرب أن نمنح هذه المتعة أحبتنا؟ بدلا من قطعة قماش قد تتلف أو قارورة عطر قد تنفد. أعدكم أنها ستنفذ إلى أعماقهم وتلامس شغاف قلوبهم.