أسهم التسوق الإلكتروني «أون لاين»، في إضعاف السوق العام، طبقًا لمحللين اقتصاديين، معتبرين أن العميل يحدد متطلباته فقط، ويستلمها وهو في منزله، مشيرين إلى أنه واحد من مجموعة عوامل مؤثرة في السوق أسهمت في تكدس السلع، ولجوء مراكز التسوق إلى التخفيضات والعروض لتسويق البضائع.

وبنظرات سريعة خاطفة، يستطيع المتسوق أن يلحظ أن أرفف مراكز التسويق ومخازنها مُكدسة بأنواع مختلفة من السلع الغذائية، ضمن مشاهد تطرح علامات استفهام عن أسباب هذا التكدس السلعي، الذي يدفع تلك المراكز إلى عمل عروضات وتخفيضات شهرية، وربما أسبوعية، وتقسيط، في محاولة منها لتصريف هذا الكم من السلع بأي طريقة كانت.

عروض ضخمة


تجيد مراكز التسوق الترويج المُغري لسلعها، باستخدام أساليب مختلفة، تارة بعمل تخفيضات على السلع، قد تصل إلى 50%، وتارة بطرح الهدايا على بعض المشتريات، وتارة ثالثة بالإيعاز للعميل بأن يمكنه الحصول على قطعة مجانية مقابل شراء المنتج، ويزداد إغراء العروض الترويجية، كلما شارفت فترة صلاحية السلعة على الانتهاء، باستخدام عبارات أكثر إغراءً، مثل «وفر الآن» أو «سوبر تخفيضات».

واستثمرت مراكز التسويق بداية العام الميلادي الجديد (قبل نحو أسبوعين)، وأعلنت عن عروضات ضخمة على بعض السلع، وأشار بعضها إلى أن هذه العروض مميزة بأسعار مغرية، فيما ألمح البعض إلى أن العروض تصل إلى البيع بسعر الجملة، أو سعر التكلفة، في إشارة إلى البيع دون أي مكاسب، وهو ما يلفت نظر بعض العملاء للإقبال على شراء السلعة.

وقبل بداية العام الميلادي كان هناك تخفيضات بمناسبة بدء موسم الشتاء، وتأكيد بعض المتاجر بأن تخفيضاتها غير مسبوقة، وتحارب الغلاء، وتوفر للعميل السلع بأسعار زمان، في إشارة إلى أسعار ما قبل فترات التضخم.

مراكز التسوق

وفي جولة ميدانية لـ«الوطن» بمراكز تسويقية بالشرقية، رصدت تفاوت نظرة العملاء إلى التخفيضات والعروض في مراكز التسويق، إذ يرى فريق أنها وسيلة جاذبة بذكاء للعملاء من أجل تصريف السلع الراكدة على أرفف المحلات، وداخل المخازن. وذكر محمد الخميس «يجب على العميل أن يلتفت إلى مثل هذه الأساليب جيداً، ويحتاط إليها، كي لا يفقد أمواله داخل مركز التسويق». وأيده في الأمر المواطن عبدالله العيد، الذي طالب الجهات المعنية بمراقبة الأسواق، والحد من التنافس الكبير بين مراكز التسويق الكبرى، من أجل تصريف سلعها، حيث الرهان على الزبون في إقناعه بشراء أكبر عدد ممكن من السلع.

تخفيضات وعروض

فضلت سعاد عبد الرحيم أن تنظر إلى الأمر بنظرة منطقية، وقالت: «من حق مراكز التسويق أن تتخلص من مخزونها الراكد لديها، وبالتالي، من حقها أن تعلن عن تخفيضات وعروض، في الوقت نفسه، من حق العميل أن يتفاعل مع هذه العروض، خاصة إذا كان في حاجة إلى هذه السلع لاستخدامها، أو أنه يرفضها إذا لم يكن في حاجة إليها».

وتابعت «أكون صادقة، إذا أعلنت أن بعض عروض المتاجر تجذبني، وأتفاعل معها، خاصة أنني أعرف الأسعار جيداً، وأستطيع أن أفرق بين العرض الحقيقي أو العرض غير المناسب».

أزمة كورونا

من جهته، ذكر مدير فرع إحدى شركات التسويق في القطيف مهدي أبو الحسن، أن مجموعة من العوامل المؤثرة في السوق، التي قد تسهم في تكدس السلع. وقال: «لعل أبرزها سلوكيات الزبون، حيث كانت القوة الشرائية للعميل في وقت سابق، أكبر منها اليوم، ولكنها تراجعت بعد أزمة كورونا، وتغيرت معها سلوكيات العميل، فأصبح أكثر دقة في تحديد أولويات الشراء، ويشتري بقدر حاجته، مع بحثه الدائم عن الأسعار المناسبة».

وأكمل «قد لا يدقق العميل على جودة المنتج، بقدر تدقيقه اليوم على الثمن، فتراه ينتقل من مركز إلى آخر، بحثاً عن السعر الأقل، وهذه الآلية تسهم في تكدس بعض البضائع».

وساق أبو الحسن سبباً آخر لتكدس السلع «ارتفاع الأسعار قد يكون أحد أبرز الأسباب، هذا الارتفاع نتيجة مباشرة للحروب الدائرة اليوم، فمثلاً الحبوب والزيوت تأثر سعرها بعد حرب أوكرانيا، وكذا مقاطعة بعض المنتجات بعد حرب غزة وهكذا».

واستشهد أبو الحسن بمشروب غازي لقي اقبالاً كبيراً، بعد مقاطعة الأجنبية، ومع ذلك، ارتفاع سعر المنتج أضعف سوقه. وقال: «سابقا كان الكرتون يُباع بـ37 ريالاً، أما بعد ملاحظة الإقبال الكبير عليه، ارتفع السعر 20%، ليصل إلى 57 ريالاً، وهو ما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية للمنتج، الذي يمكن رؤيته مكدساً على أرفف مراكز التسوق».

وأضاف أبو الحسن «هناك أيضاً عامل المنافسة بين شركات التسويق، فغالباً الشركات القوية التي تمتلك أكثر من فرع، لديها القدرة على التحكم في السعر، فيمكنها بيع المنتج بأقل من أسعار شركات أخرى، نظراً لإمكاناتها بالشراء من الموردين بكميات أكبر، وهذا يضع الشركات الناشئة تحديداً في منافسة شديدة غير متكافئة، فلا تستطيع البقاء في الأسواق، وتضطر إلى الإغلاق نهائياً».

التسوق المفتوح

قال أبو الحسن« إن التسوق الإلكتروني من مواقع تعمل (أون لاين)، أسهم في إضعاف السوق العام، كون العميل يحدد متطلباته فقط، ويستلمها وهو في منزله، على عكس التسوق المفتوح داخل المركز، الذي يفتح المجال لشراء منتجات مختلفة، قد يراها العميل أثناء جولاته، فيقرر شراءها، وإن لم يكن في حاجة إليها».

وتطرق أبو الحسن إلى ظاهرة عمل عروض على سلع شارفت صلاحيتها على الانتهاء، وقال «وجود كل العوامل التي ذكرتها، تسهم في تكدس السلع في المتاجر، وبالتالي قد تشارف على الانتهاء، فيضطر التاجر لبيعها بعروض مخفضة جداً قبل انتهاء صلاحيتها بعدة أشهر».

أسباب أسرية

كان للمحلل الاقتصادي الدكتور ماهر آل سيف رأيه في ظاهرة تكدس البضائع في مراكز التسويق، وقال لـ«الوطن»: هذا التكدس يعود إلى عدة أسباب اقتصادية واجتماعية وأسرية، نوجزها في 3 أمور رئيسة؛ الأول يشير إلى زيادة الوعي المالي لدى الأسر، هذا الوعي يلعب دوراً مهما في الفترة الأخيرة، للحفاظ على كيان الأسرة، موضحاً «الأسرة السعودية بدأت تدرك أن شراء السلع الغذائية بكميات كبيرة لا فائدة منه، وقد تتعرض هذه السلع للتلف وانتهاء الصلاحية، ويكون مصيرها الإلقاء في القمامة، وعليه أصبحت الأسرة تقتصر على شراء احتياجاتها الضرورية بكميات محدودة، حسب حاجتها».

أما السبب الثاني ـ والحديث مازال لآل سيف ـ فهو ارتفاع الأسعار، الذي يربك حسابات الأسرة، ويهدد السيولة التي تملكها، وبالتالي أصبحت تشتري بحسب ميزانياتها فقط، الأمر الذي انعكس على حجم المشتريات، فلم تعد ربة المنزل تشتري بكميات كبيرة، كما كان في السابق.

كميات كبيرة

ساق آل سيف سبباً إضافياً، وقال «ارتفاع كميات السلع المعروضة، نتيجة زيادة عدد الشركات المنتجة أو المستوردة، والمنافسة فيما بينها بطرح كميات كبيرة من السلع في السوق السعودي، بحكم سياسة السوق المفتوحة، وهذا يجعل المنافسة بينها كبيرة، ويدفعها إلى تحريك الأسعار، لجذب انتباه المستهلك، في المقابل، قد نجد سلعاً معروضة بكميات كبيرة، ولكنها راكدة، لأن تاجرها لم يغير أسعارها، مع وجود سلع بديلة ومنافسة، ولكنها بأسعار أقل».

وأكمل «قد يكون هناك سبب آخر، ولكنه في رأيي أقل أهمية من الأسباب الثلاث السابقة، وهو الوعي بجودة المنتج ومكوناته، وتأثير هذه المكونات على الصحة العامة، الأمر الذي يدفع المستهلك إلى شراء نوع معين، على حساب نوع آخر، يبقى راكداً على الأرفف، مثل السلع التي تحتوي على مواد حافظة أو غيرها».

وأضاف آل سيف «هذا التكدس السلعي، قد يعود إلى عدم قيام بعض الشركات المنتجة أو المستوردة للسلع بدراسة حاجة السوق الأساسية، وبالتالي فهي تنتج أو تستود كميات كبيرة، وتعرضها في الأسواق، فتجد أن مبيعاتها متواضعة، وتضطر إلى عمل عروض ترويجية عليها، مع العلم بأن عدم دراسة الأسواق جيداً يؤثر حتماً على الناتج المحلي، ويضيع رؤوس أموال كبيرة».

وقال «كل تلك الأمور تدفع التجار إلى تصريف بضاعتهم بأي شكل كان، لتقليل خسائرهم والتخلص من المخزون لديهم، تارة بعمل تخفيضات أو تصفيات أو عروض مختلفة».