لم يثر دهشتي الخبر الذي نشرته الصحف عن محاكمة أحد أمناء جدة السابقين، الذي استولى على 400 حديقة في جدة، وتحايل على منحها لأقاربه، حتى إنه اقتطع أجزاء من حديقة ليعطيها لبعض أقاربه، لكن لم يتمكن من إتمام سرقته حيث صدر قرار إعفائه!
نحن في جدة لسنا عمياناً حتى لا نستطيع أن نعرف أن هذه الفيلا تحتل موقع حديقة في المخطط، ولكن كما يقول إخواننا المصريون: "الذين اختشوا ماتوا"، ألم تسمعوا بالأمين الذي جاء بعد الأمين سارق الـ 400 حديقة بعدة سنوات، كيف ضم حديقة عامة لمنزله ورفع جيرانه عليه قضية؟
لقد اعتدنا على مثل هذه الأحداث، واعتاد اللصوص أن ينجوا دائماً بحدائقنا المنهوبة، واعتاد الناس على الجلوس في جزر الطرق وأعينهم تراقب أطفالهم خوفاً من السيارات العابرة عن اليمين والشمال، ناهيك عمّا يتنفسونه من عوادم السيارات ويشكل مصدراً للموت البطيء.
إن القبض على هذا الرجل ومحاكمته عمل عظيم، وهو محل تقديرنا نحن السعوديين، ودليل على أن هناك محاولات قوية وجادة لنحر الفساد من أجل حياة كريمة لأبناء هذا الوطن، لكن السؤال هو: ماذا عن 400 حديقة؟ هل سنستعيدها من الذين اشتروها وبنوا عليها عمائر ومنازل؟
قد يقول أحد ما: إنهم لا ذنب لهم، لكن ماذا عن المواطن الذين اشترى أرضا بسعر أغلى من غيره؛ لأن أرضه تجاور حديقة، ألم يتعرض للغبن ويستحق أن يحصل على حقه من هؤلاء الذين تشاركوا في نهب الوطن؟
ألم يكونوا يعلمون بالسرقة؟ لا أستطيع تصديق ذلك، إن العقل والمنطق يقول إنها حديقة من موقعها داخل الحي في المخطط، كما أن العقل يقول إن الحكومة لن ترضى بالسرقة والنهب، وما حدث سرقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
في الخبر أن الأمين غير الأمين استولى - من ضمن ما استولى عليه - على حديقة تجاور المحكمة الكبرى! لذا أتمنى من القضاة الذين نثق في عدلهم أن يفتحوا نوافذ مكاتبهم وينظروا للأبنية التي احتلت حدائق كانت ستمنح مبنى المحكمة إطلالة مميزة، وستمنح أطفال الحي ملاعب بدلاً من السكك والطرقات.
أعتقد أن تلك المقارنة ستجعلهم يوقنون بأن ما حدث جريمة كبرى لن يكفر عنها مجرد سجن هذا الرجل، بل إرجاع الحق لأهله.