قبل ولادة الفضائيات وتنوع وسائل الاتصال وثورتها الحديثة، لم يكن ذلك الشاب يعلم أن صوته سيصل لكل الآذان. انهالت الشهرة عليه دون سعي أو مطلب لها، خطواته الأولى قادته لذلك، عبر زمن "أسطوانات فون"، التي عاشها وتعايش في ماضيها، ليبقى اليوم صيدا ثمينا لفضائيات العصر بثمن بخس.
الفنان عيسى علي الأحسائي، الملقب "بفتى الشرقية" رفض الجلوس على مقاعد الدراسة ليبقى جاهلا بعلم الحرف، عالما بمعارف الوتر وإيقاع الزمن، فانصاع الفن إليه، وتخرجت من إبداع صوته وريشته فنون مختلفة.
"فتى الشرقية" استغل الكثير وفاته المبكرة لنهش إرثه وانتحال ألقابه، وكثر الفتيان من بعده، وسرقت أغانيه وألحانه وألبست لغير أهلها، غرر بالمستمع وصدق الأكذوبة، لتكشف لعبة الزمن "الأقنعة" وتشهد "شاشات" معلقة بأن المعلم الراقي الفنان قد رحل قبل ثلاثين عاما ونيف، سكن جثمانه الثرى. "أبو نايف" ترك إرثا فنيا ودررا ثمينة، تسابقت تلك الفضائيات على البحث في "الأرشيف" الطلق عن روائعه، بعد أن تجاهله الإعلام طيلة حياته، فعاد للساحة بكنزه النفيس لمنافسة أحياء الزمان، عاد صوته بعد أكثر من ثلاثة عقود فلم يجد ندا، ليستمر متربعا على الهرم الشعبي كما كان. جمهوره العريض الوفي من الثمانينات ما زال يعتقد بأنه حي، غاب المبدع وبقي الإبداع، لا تزال أغانيه تصدح عبر رسائل الفضاء بفن مختلف ألوانه، ويبقى اختيار المستمع لهذا الفن السمين نابذا الغث الكثير، لمعلم ضرب ضربته باقتدار واستحق تلك الألقاب، وأخرج فنا راقيا خالصا.
"عيسى" القريب من جمهوره ترك عتبة المسرح للجلوس بين معجبيه بتواضع الواثق، ورفض عروض "الأستوديوهات" وتذاكر سوداء بأعداد مستعارة، كان يغني للفن ولا يكترث بالمال، بعد أن وصل صوته "النقي" إلى البعيد، في زمن لم تكن عدسات الفضائيات تستطيع اختراق الأجواء.