بعد أكثر من 100 عام مرت على شمال الجزيرة العربية سيعود القطار أو كما يسميه سكان الشمال "الريل" مجدداً ليخترق الصحراء الشاسعة، ويقطع تلك المسافات، ولكن بوجه جديد أصبح واقعاً مشاهداً بعد أن وصل "القطار" وبات موعد انطلاقته قريباً ليجوب أرجاء شمال المملكة. ومن فاته ركوب "الريل" سيحقق بعضاً من أمانيه بمشاهدة قطار الشمال وعجلاته تعانق سكة الحديد لأول مرة شمال مدينة حائل؛ استعداداً لقطع مسافة تتجاوز 2400 كيلو متر من شمال المملكة إلى جنوبها باتجاه الشرق، عبر سكة ممتدة من حزم الجلاميد إلى الحديثة شمالاً وصولاً إلى رأس الزور شمال الجبيل مروراً بالجوف وحائل.
تاريخ يتكرر
عرف سكان شمال المملكة القطار بعد أن وصل أول قطار للمدينة المنورة ماراً بشمال المملكة في الخامس والعشرين من رجب 1326هـ إثر عمل مستمر بدأ لبناء خط سكة حديد الحجاز في الخامس من جمادى الآخرة عام 1318هـ (1900م)، بأمر من السلطان العثماني عبدالحميد الذي أنشأه لخدمة حجاج بيت الله الحرام، وقدرت تكلفته آنذاك بنحو 3 ملايين ونصف المليون ليرة عثمانية تبرع السلطان بـ 320 ألف ليرة من ماله الخاص، وجُمعت التبرعات لتغطية التكلفة من المسلمين في بعض الأقطار الإسلامية.
عهد جديد
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز سيعود القطار الذي جاب أجزاء من الشمال للحياة، بعد أن وقع وزير المالية، رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة الدكتور إبراهيم العساف في وقت سابق عقوداً لمشاريع السكة الحديد مع الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) بقيمة 2.39 مليار ريال؛ شاملة عقد نظم الاتصالات وإشارات التحكم، وعقد توريد القاطرات، وعقد توريد العربات "المقطورات".
سيرة النجاح
وكان الدكتور إبراهيم العسّاف قد أعلن في وقت سابق أن الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) - المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة - أكملت بنجاح بناء الخط الحديدي الذي يربط مناجم الفوسفات في حزم الجلاميد بمنطقة الحدود الشمالية بمناطق التصنيع برأس الزور على الخليج العربي مروراً بمناطق الجوف وحائل والقصيم والمنطقة الشرقية بطول بلغ 1392 كيلو متر، مشيراً إلى أن شركة سار بدأت التشغيل التجريبي للخط بنقل أول شحنة فوسفات من مناجم شركة التعدين العربية السعودية "معادن" بحزم الجلاميد بعربات مخصصة عبر الخط الحديدي وفرغتها برأس الزور "رأس الخير".
وأوضح أمين عام صندوق الاستثمارات العامة رئيس مجلس إدارة شركة "سار" منصور بن صالح الميمان بعد نجاح التجربة في تصريح سابق، أن العمل في المشروع بدأ منذ عام 2006م بتوقيع عقود تسوية الأعمال الأرضية بمنطقة النفود، تبعها توقيع عقود الأعمال المدنية ومد السكة الحديدية في عام 2007 م مع شركات محلية وعالمية متخصصة، وفي عام 2009م وقعت عقود تصنيع وتوريد القاطرات والعربات الخاصة بنقل المعادن التي وردت في نهاية العام 2010 م. كما قامت شركة سار بعد اكتمال بناء الخط التعديني بعمل الاختبارات للخط والعربات والقاطرات، وبدأت بالتشغيل التجريبي؛ حيث نقلت أول شحنة تجريبية مكونة من 4 عربات بحمولة بلغت 200 طن وتم فيها اختبار طرق التحميل في حزم الجلاميد وطرق التفريغ برأس الزور.
اكتمال خط التعدين
وأكد الميمان أن التجربة ستتبعها زيادة تدريجية في عدد العربات والحمولة في كل عربة ليصل عددها 155 عربة بحمولة إجمالية تتجاوز 15 ألف طن بالرحلة الواحدة حسب الخطة التشغيلية، مضيفاً أن المشروع يعد من المشاريع العملاقة ويتطلب إنشاؤه إزاحة أكثر من 350 مليون متر مكعب من الرمال والصخور وبناء وتشييد 71 جسراً و 912 عبارة وأكثر من مليوني عارضة إسمنتية و170 ألف طن من القضبان الحديدية، مبيناً أن شركة سار عملت مع مقاوليها بوتيرة متسارعة ليتزامن اكتمال الخط الحديدي والبدء في نقل خامات الفوسفات مع جاهزية مصانع شركة "معادن"، وتمكنت شركة سار من الوفاء بالتزامها تجاه تنفيذ المشروع ضمن الجدول الزمني المتفق عليه مع شركة "معادن".
وأشار إلى أن شركة سار إضافة إلى تشغيلها لخط التعدين تعمل حاليا على إنهاء خط الركاب والبضائع الذي يمتد من الرياض إلى الحدود الأردنية مروراً بسدير والقصيم وحائل والجوف، وستطرح منافسات إنشاء محطات الركاب لكل من الرياض والمجمعة والقصيم وحائل والجوف والقريات، إضافة إلى الانتهاء من طرح منافسات قطارات الركاب التي ستكون بمواصفات عالمية ترقى لمستوى التطلعات، وقال الميمان: من المتوقع الانتهاء من كامل المشروع في بداية عام 2014 م .
ثورة اقتصادية
قطار الشمال الذي سيسير بسرعة 120 كيلو مترا في الساعة جاراً خلفه 50 عربة، يعلق عليه الأهالي آمالهم بأن يجعل من مدينتهم محطة تسهم في رفع اقتصاديات البلد، وتعزز من الميزات الاقتصادية التي تنظر لها رؤوس الأموال، والذي جاء كمشروع ضخم يهدف إلى نقل خامات الفوسفات والبوكسايت من شمال ووسط البلاد إلى منشآت المعالجة والتعدين برأس الزور على الخليج العربي، وسيقدم المشروع خدمات لنقل المسافرين والبضائع العامة بين عدد من المدن التي تعتمد الآن على شبكة الطرق الإسفلتية.
وأوضحت البيانات الصادرة من شركة سار أن الأهداف الاقتصادية من إنشاء المشروع جاءت لتقديم وسيلة نقل اقتصادية لخدمات نقل الفوسفات من حزم الجلاميد والبوكسايت من الزبيرة إلى معامل التصنيع في منطقة رأس الزور، ونقل الركاب والبضائع بين الرياض والحديثة وربطها بالشبكة الحالية للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية بين الرياض والدمام؛ بما في ذلك خدمة مدينة سدير الصناعية ومنطقة القصيم، ومنطقة حائل، (مدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية)، ومنطقة الجوف، والبسيطا الزراعية، والحدود الشمالية، ونقل البضائع من مدينة الجبيل الصناعية إلى المناطق المختلفة التي يمر بها الخط الحديدي للمشروع.