في الأيام الأخيرة، شهدت مدينة العمارة، بمحافظة ميسان العراقية، فضيحة أخلاقية، بطلها مناف الناجي، الذي ذكر أنه وكيل المرجع الشيعي الأعلى آية الله السيد علي السيستاني، حيث كشف فيلم تصويري الوكيل في أوضاع مخلة وغير لائقة مع نساء عراقيات، مستغلا موقعه الديني وعوز وجهل الضحايا. لقد أثار الإعلان عن هذه الفضيحة موجة غضب واسعة في الشارع العراقي، وأدى إلى اشتباكات بين العشائر، وتم قتل بعض النساء اللواتي اتهمن بإقامة علاقات غير مشروعة مع الناجي. وقد هرب المدعى عليه من محافظة ميسان، خوفا من انتقام عوائل الضحايا.
ما يهمنا في هذه المناقشة ليس الحدث نفسه، ولكن تداعياته من جهة، والأسباب التي دفعت إلى الإفصاح عنه في هذا التوقيت بالذات، وعلاقتها بحالات الاحتقان ونقص الخدمات، وبالأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه العراقيين.
الحديث عن علاقة الجنس بالسياسة ليس جديدا. فهناك مسؤولون وزعماء كبار، نحوا عن مواقعهم السياسية، أو انسحبوا من حملات الترشيح للانتخابات الرئاسية، بعد الإمساك بهم، متلبسين بعلاقات نسائية غير مشروعة، والأمثلة كثيرة. والذاكرة لا تزال تحتفظ باسم مونيكا لوينسكي مع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، ودانا رايس مع المرشح الديمقراطي جاري هارت، وفي الستينات كان الحديث عن علاقة بين النجمة السينمائية الشهيرة، مارلين مونرو والرئيس الأمريكي جون كنيدي. وبالمثل كانت هناك علاقات، غير شرعية لرؤساء وزراء أوروبيين مع سكرتيراتهم، كشف عنها في حينه، وتسببت في إنهاء حياتهم السياسية.
وحتى على مستوى المؤسسات الدينية، لا تمثل فضيحة الناجي سابقة أولى، رغم أن ذلك لا يبرر الفعل الشنيع، ولا يقلل من مستوى الجريمة. ففي التاريخ الأوروبي عاشت الكنيسة مرحلة دموية في عهد الملك هنري الثامن، ضحاياها عشرات الألوف من القسس والراهبات الكاثوليك. وكانت التهمة هي خيانة تعاليم المسيح، وممارسة الفسق والرذيلة داخل الكنائس. وفي روسيا القيصرية، اشتهرت قضية راسبوتين، ووصلت تفاصيلها إلى مختلف أركان المعمورة. وقبل عام من هذا التاريخ، كانت هناك فضائح أخلاقية كبرى، لأشخاص مقربين من بابا الفاتيكان. وكانت التهم مماثلة للجرائم التي ارتكبها ممثل ووكيل السيد السيستاني. وبالمثل، كانت هناك أحداث مشابهة في الكنيسة القبطية في مصر، واتهامات بالرذيلة لأشخاص مقربين من البابا شنودة، رئيس أتباع هذه الكنيسة.
خلاصة القول، إن ما حدث في العمارة، رغم كونه رذيلة وانحلالا، لا يمكن التسامح تجاهه، فإنه يحدث في كل المجتمعات الإنسانية وفي جميع شرائح وطبقات المجتمع. وليس لذلك علاقة البتة بهذه الطائفة أو تلك، أو هذا الدين أو ذاك. ولا ينبغي في كل الأحوال، تجييره، ليسهم في تسعير الصراعات الطائفية، بين أبناء الوطن الواحد، لأن ذلك هو ما يسعى له أعداء العراق، الذين صادروا وجوده، كيانا وتاريخا وهوية.
مصدر الاستغراب في هذه الحادثة، يعود إلى جملة أسباب. أهمها أن العمل الفاضح جرى عرضه مصورا بالفيديو في عدد من المواقع الإلكترونية. بما يعني أن المجرم لم يعمل على ستر رذائله، فيلتزم بالحكمة المأثورة "إذا بليتم فاستتروا"، ولكنه ترك أدلة الإثبات جاهزة، لكل من له سمع وبصيرة. الجانب الآخر، هو ردة فعل المرجعية، التي حسب ما هو متوفر من معلومات، لم تقل حتى هذه اللحظة، شيئا يشفي غليل الغاضبين والمكلومين. فكل التصريحات التي تناقلتها الصحف والمواقع الإلكترونية عن المرجعية الدينية في النجف، أشارت إلى دعواتها للتهدئة، وعدم تصعيد الموقف، بما يلحق الضرر بالمذهب وأتباعه. وكان المتوقع أن تكون إدانتها للجريمة، جريئة وواضحة وصريحة، وأن تتخذ الإجراءات الرادعة، التي تكفل عدم تكرار ما حدث في مواقع ومراكز دينية أخرى، تابعة للمرجعية. وهو ما يأمل الحريصون على العراق ووحدته أن يصار إلى اتخاذه.
إن هذا الموقف المتراخي للمرجعية تجاه هذه الجريمة، إن تأكد، يثير عند المهتمين والمراقبين جملة من التساؤلات. لعل أهمها علاقة ما جرى بتداعيات الأحداث السياسية، واختيار هذا الوقت بالذات لتفجير هذه الأزمة. لقد أعلن عن الفضيحة في وقت كانت مظاهر الاحتجاج والغضب، والمسيرات والمظاهرات تعم معظم محافظات العراق، وبشكل خاص المحافظات الجنوبية معبرة عن استيائها وغضبها من الانقطاع المستمر للكهرباء. وغياب خدمات الصرف الصحي، وانتشار ظواهر المحسوبية والفساد. وتكاثر أعداد العاطلين الباحثين عن لقمة العيش.
يضاف إلى ذلك، أن الفضيحة الأخلاقية، أثيرت في ظل انفلات أمني، وزيادة في أعداد القتلى من المدنيين، بعد أن طبلت ماكنة الإعلام الحكومي والمحتل الأمريكي، لتراجع حالة الفوضى التي استمرت لأكثر من سبع سنوات. كما جاءت مع تصاعد عمليات الاغتيال في وسط قائمة إياد علاوي، التي فازت بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، مما يطرح بحدة موضوع التدخلات الإقليمية في شؤون العراق. والأنكى من ذلك كله، أنها حدثت في ظل فراغ حكومي استمر لأكثر من ثلاثة أشهر، منذ أعلن عن فوز القائمة العراقية التي يرأسها علاوي، بعد تمسك ما دعي بتحالف دولة القانون رفض نتائج الانتخابات.
إن هذه الفضيحة، والعواصف التي صحبتها، تؤكد أن توقيتها هدف إلى حرف حالات الاحتقان العراقية عن أهدافها، من مواجهة لإفرازات الاحتلال، وفوضاه الخلاقة، إلى قضية أخلاقية، وجريمة زنا ارتكبها مجرم تستر بالدين، واتخذ من موقعه سلما لممارسة ابتزازه وعبثه بحق أعراض الناس. لكن ما تشهده أرض السواد، أعمق وأعقد بكثير، من أن تغطي عليه هذه الجريمة، ولن تتسبب أبدا في حرف الصراع عن مساره الصحيح، إن الوعي العراقي أعمق بكثير من أن تنطلي على أبنائه هذه الحيل والحبائل. سوف يستمر كفاح العراقيين لإعادة العراق لموقعه الصحيح، بلدا عربيا حرا أبيا يعمل مع أشقائه العرب في سبيل عزة هذه الأمة لكي تأخذ مكانها في مسيرة النهضة والتقدم المتجهة إلى أمام.