لا جدال بأن مدينة أبها، بما حباها الله من طبيعة وجمال، تعد مقصد كل سائح سعودي وخليجي بلا منافس. ولكن برغم كون، جمال الطبيعة ورونقها، هو المكون الأول لجعل منطقة ما سياحية، إلا إنها بدون البنية التحتية المادية والتنظيمية والأمنية والخدمية التي تريح السائح وتجذبه وتغريه للذهاب لها، قد يتراجع حظها في منافسة مدن سياحية أخرى، لا تمتلك ولا عشرة بالمائة من مقوماتها الجمالية الطبيعية.

الإمكانيات لخلق بنية تحتية تنظيمية وخدمية وأمنية موجودة ومتوافرة في أبها، ولكن المسألة تحتاج إلى إرادة جادة ومصممة لفعل ذلك. وها قد أتت الإرادة الجادة، حيث كشف صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير ورئيس مجلس التنمية السياحية ورئيس اللجنة العليا لمهرجان أبها، في المؤتمر الصحفي الذي عقده، يوم السبت 9/6/2012، في فندق قصر أبها، والذي تحدث فيه عن الرؤية المستقبلية للمهرجانات السياحية بالمنطقة والبنى التحتية لها والخطة التشغيلية لمهرجان صيف العام الحالي "مهرجان أبها يجمعنا" 1433 هـ. وقد قبض سمو أمير عسير على مفتاح هذه الإرادة، عندما قال، حسب ما نقلته عنه، جريدتنا الوطن في تغطيتها لمؤتمره الصحفي: "... سنصل بعسير إلى العالمية وهذا حلم ومن حق كل واحد منا أن يحلم..."

الحلم هو مفتاح لكل إنجاز تاريخي حققته البشرية، فدون الأحلام لا يتحقق الواقع الحلم؛ إذن فما دمنا نحلم فنحن قد فتحنا خارطة طريق التغيير للواقع الحلم. هنالك أحلام رؤى وهنالك أضغاث أحلام، فالأحلام الرؤى هي القابلة للتحقق، أما أضغاث الأحلام فهي القابلة للتبخر. فالأحلام الرؤى، هي التي تصاحبها رؤى واضحة المواصفات وجلية المعالم، أما أضغاث الأحلام فتلك التي يصاحبها الوهم والأماني، غير المسنودة بواقع يدعمها ويسندها.

حلم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد، هو من نوع أحلام الرؤى؛ حيث إنه يعي أين يقف، وقرر كيف يتحرك وحدد هدفه، إلى أين يريد الوصول بعروسته الأبهى مدينة أبها، وتحويل كل عسيرها إلى يسير. صاحب السمو الملكي يعي أين يقف حيث قال: " أؤمن بأن المرحلة التي نعيش فيها الآن مرحلة صعبة وتحتاج إلى مضاعفة الجهود..." وهذا طبيعي، فتحويل الواقع إلى الواقع الحلم الذي نحلم به، يحتاج ـ أول ما يحتاج ـ إلى مضاعفة الجهود والتركيز على الهدف للوصول إليه. وهنا يذكر صاحب السمو الملكي آليات الوصول إلى الحلم، حيث قال: "ومن هنا وضعت أسلوبا إدارياً يتماشى مع ظروف هذه المرحلة ويسهم في دعم تطلعاتنا ويحقق آمالنا مع السرعة في الإنجاز، وهذا الأسلوب يعتمد على العمل الجماعي والاعتماد على الشراكة واللامركزية والسعي إلى التخطيط السليم وتطوير البنية التحتية وتوزيع المهام والمسؤوليات وتشجيع المبادرات.." والهدف الحلم المراد الوصول بأبها إليه هو، كما حدده الأمير بقوله: "وسنصل بعسير إلى العالمية، وهذا حلم ومن حق كل واحد منا أن يحلم.."

ولكن من خلال المؤتمر الصحفي لسموه، ذكر فيما يتعلق بمنع دخول الشباب لبعض المنتزهات،"أن المجتمع المحلي لا يزال رافضاً لفكرة قبول وجود الشباب في الأماكن التي توجد فيها الأسر، إلا أنه أفصح عن وجود فعاليات تلبي رغبات الشباب.."، وأنا أرى بأن منع الشباب من دخول بعض المنتزهات الحكومية العامة، لا يدخل ضمن خانة المعايير والمقاييس الدولية للسياحة، التي يطمح سموه في الوصول إليها، بل وحتى لا يدخل ضمن المعايير والمقاييس المحلية للسياحة، في بعض مناطق المملكة. ففي مدن ومحافظات القصيم، تم تجاوز عملية منع الشباب من دخول المنتزهات العامة أو المشاركة بالفعاليات السياحية. وكذلك في جدة والرياض، ففي مدينة الرياض، تم السماح للشباب بدخول الأسواق العامة جميعها بدون استثناء، واعتبر المنع الذي كان سارياً، قبل ذلك، منافياً لأنظمة وقوانين المملكة، حيث إن المنع من الدخول لأي مركز أو منشأة عامة والاستمتاع بخدماتها، يعد نوعا من العقاب، ونظام الحكم في المملكة ينص على أنه لا عقاب دون صدور حكم قضائي، ولا حكم قضائي دون مخالفة نص مكتوب. ثم إن منع جميع الشباب من دخول بعض المنتزهات، بسبب تصرف طائش من بعضهم، عقاب جماعي، مدان من قبل القانون الدولي، وكذلك مدان من قبل الشرع، حيث قال تعالى "ولا تزر وازرة وزر أخرى".

إن منع الشباب من الاستمتاع بجميع الفعاليات السياحية المحلية المتوافرة بمهرجاناتنا السياحية، قد يدفعهم للذهاب للسياحة خارج المملكة، والتي قد تعرضهم لمشاكل لا قبل لهم ولا لنا بها. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فشبابنا يسافر للسياحة بعشرات الآلاف سنوياً، وهناك لا يمنعون من دخول أي فعالية سياحية عامة كانت أم خاصة، ومع ذلك لم نسمع حتى الآن عنهم بأنهم قد ارتكبوا جرائم أو كوارث، تدل على عدم انضباطهم؛ وهذا يطرح التساؤل من أين أتتنا فكرة عدم انضباط شبابنا عندما يوجدون بين العائلات؟

عندما يمنع الشباب من دخول أماكن عامة ويحرمون منها، هنا تكون لديهم ردة فعل عكسية وتخلق عند بعضهم حالة عدم الانضباط، والتي هي نتيجة احتجاجية لتصرف غير مبرر، تم توجيهه ضدهم، وليس فعلا من طبعهم. وأنا وكثيرون نراهن على الخيرية عند شبابنا، ونطالب بمعاملتهم المعاملة التي تليق بهم، لنحصل منهم على الكثير من الخير الذي يحتفظون به في دواخلهم الخيرة. والثقة بشبابنا هي نوع من التربية السليمة والسوية التي يجب أن نمنحها لشبابنا، ليرتقوا لمصافها ويثبتوا سويتهم.

ثم إن فكرة أن المجتمع المحلي لا يزال رافضاً لفكرة قبول وجود الشباب في الأماكن التي توجد فيها الأسر تحتاج لمراجعة وتمحيص لأكثر من سبب. أولاً: لكون غالبية مجتمعاتنا المحلية هي من الشباب، كما هو معروف، فكيف تكون غالبية المجتمع المحلي ضد نفسها. ثانياً: الشباب هم نتاج وتربية بيوت المجتمع المحلي ومدارسه ومساجده، وإذا كان الشباب بهذا السوء من التربية، بحيث لا نثق بهم مع الأسر في منتزهات عامة، فهذه إدانة لفكر المجتمع المحلي الذي أنتج وربى شباباً بهذا السوء. ثالثاً: منع الشباب من الدخول إلى بعض المنتزهات والفعاليات، سيجعلهم في مواجهة ونقاش دائم مع الشرطة وهيئة الأمر بالمعروف، وهذا يشغل هذه الجهات عن مهامها الرئيسة المناطة بها ويخلق فجوة بينها وبين الشباب، وهذا ما لا تحبذه هذه الجهات الأمنية الضبطية. رابعاً: سياسة المنع التي جربناها في العقود الأربعة الماضية لم تنتج لنا سوى المزيد من الفوضى، وقد أخذت الكثير من مناطقنا ومدننا في التخلي عنها، بلا أسف عليها.

نريد بأن تكون أبها عسير بكل جمالها وروعتها ورونقها، حلما للجميع بلا استثناء وحلم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد جدير بأن يجعلها كذلك، بلا استثناء.