بحث كثير من المفكرين العرب في هذا المفهوم مثل العروي والوردي، والجابري الذي أفرد كتابًا في موضوع (المثقفون في الحضارة العربية) ويقول في كتابه: إن انتشار استخدام كلمة مثقف في الخطاب العربي ليست أقدم من منتصف القرن العشرين، ولكنها أصبحت تستخدم على شكل واسع جدا، وأصبحت تطلق على شرائح كثيرة.
وهي ترجمة من الكلمة الفرنسية Intellectuel وكلمة Intellect تعني فكر أو عقل.
حاول الجابري في بحثه الكبير جدًا توطين هذا المصطلح في لغتنا العربية أو تبيئته كما يسميها الجابري حسب طريقته المعروفة.
أما الوردي فيركز على التفريق بين المتعلم والمثقف في إطار بحثه عن التحرر من قيود الإطار الفكري، وجعل المثقف هو من استطاع الخروج من إطاره الفكري، والنظر إلى المواضيع من زوايا مختلفة، أما المتعلم فيتعلم أموراً لا تخرج عن نطاق الإطار الفكري الخاص بالرأي الذي يتبعه ولا يزيد من العلم إلا ما زاد في تعصبه.
في الختام، مفهوم المثقف مفهوم واسع الدلالة، ومثلما يقول أهل العقيدة «لا مشاحة في الاصطلاح»، فليس هناك مشكلة من أن يطلق هذا اللقب على شرائح كثيرة من المجتمع، ولكن على ما يبدو أن لمصطلح المثقف مستويات عدة.
فإذا استثنينا من يعتقدون أن الثقافة في الشكل والتقليد ولحن القول، فإن أول مستوى وأوسعه هو المثقف بمعنى الواسع الاطلاع، ثم يأتي من بعده المثقف بمعنى القادر على النظر إلى المواضيع من وجهة نظر الآخر أو وجهات نظر مختلفة بإعمال الفكر في اطلاعه الواسع، ثم يأتي من بعده المثقف الذي يترجم ثقافته وسعة اطلاعه وفكره في سلوكه وتعاملاته، ويبدو أن أعلى المستويات هو المثقف الذي يملك ما سبق ذكره وأيضا لديه رسالة في مجتمعه الذي يسعى إلى إصلاحه، ولكنها رسالة إنسانية صادقة ما لم يحملها فإنه سينزلق في منزلق «المثقفون المغالطون» كما سماهم باسكال بونيفاس في كتابه الذي يحمل الاسم نفسه.