بعد أن قَضَى قرابةُ 15 ألف إنسان تحت نيران النظام المجرم في سورية؛ يتساءل الكثير عن الوضع هناك، وعن مدى إمكانية تحقيق الثورة لأهدافها باهظةِ الثمن؟ وما الذي يدور خلف كواليس أبواب السياسة وتحت بنادق الحرب هناك؟
سأتحدث عن عدة جوانب تدور حول الوضع هناك، محاولا كشف بعض خيوط الأزمة وحلها، ومبرزا لبعض المؤامرات التي يحيكها النظام السوري وحلفاؤه.
من نافلة القول أن يُذكر أن النظام بدأ يشعر بالخوف الشديد وأنه فقد السيطرة المُحكمة على البلد، والتي كان يتمتع بها في السابق بالحديد والنار، مع الأخذ بالاعتبار أنه اختار وضع بندقيةٍ خلف ظهره ومسح خط الرجعة مطلقا! ويبدو أن النظام أخذ يدرس كل خياراته بالتشاور مع إيران، لمواجهة أي تطورات قد لا تكون في صالحه. ومن قراءة الأحداث هناك؛ تبدو معالم الدهاء السياسي الإيراني واضحة، حيث تلعب إيران دورا كبيرا ورمت بثقلها كله في سبيل الدفاع عن النظام الدكتاتوري.
ومن أهم معالم هذا الدور؛ محاولة إشراك العراق بحكومته التابعة لإيران إلى طرفها، وقد ظهر هذا جليا في المؤتمر الصحفي مؤخرا بين موسكو وبغداد، بأن الأخيرة ستكون طرفا في أي مؤتمر عن سورية، في إشارة إلى المؤتمر الدولي الخاص بسورية والذي طلبت روسيا إشراك إيران فيه أيضا. وهذه بلا شك محاولة لاستخدام جميع الأوراق الممكنة، ففي حال رفض مشاركة إيران؛ فإنها ستشارك بنفوذها من خلال العراق بالإضافة إلى روسيا. كما أن إيران طلبت إدراج موضوعي سورية والبحرين في المفاوضات في اجتماع إيران 5+1 بخصوص برنامجها النووي، لأجل المساومات السياسية ورفع سقف التفاوض.
وبالإضافة إلى كل الجهود الوحشية التي يبذلها النظام الإجرامي وحليفته إيران؛ فإن محللين يخشون من أن هناك بوادر وعلامات إلى سيناريو رهيب قد يُقدمون عليه في حال تراجعهم على المستوى الميداني، وهو القيام بعمليات تهجير قسري لإعادة رسم الخارطة للتجمعات السكانية هناك، وهذا ما قد يُفسر تكرّر عمليات القتل الجماعي في بعض المدن السورية للأطفال والنساء! وربما استفادوا من تجربة الصهاينة في تأسيس دولة إسرائيل عندما قاموا بنفس الطريقة، ولكن ربما بشكل أقل وحشية من النظامينِ السوري والإيراني! وهذا السيناريو سيكون كارثة في حال وقوعه لا سمح الله، ويجب على المقاومة بشقيها السياسي والعسكري هناك أن تكون واعية لهذه الفكرة الوحشية.
أما بالنسبة للوضع الدولي؛ فللأسف لا يبدو أن القوى الكبرى مستعدة لخوض معركة عسكرية، خاصة أن الرئيس الأميركي مقبل على انتخابات، ومن غير المتوقع أن يُقدم على مخاطرة قد تفرض عليه أثقالا جديدة ربما تُفقده كرسيه! بالرغم من أن عددا من قيادات الحزب الجمهوري أعلنوا دعمهم لخيار الضربة العسكرية.
وبنظري أن خيار التدخل الدولي لا يُتوقع حصوله إلا بشرطين؛ أولهما، تفاقم الوضع في الداخل إلى الحد الذي تخشى فيه القوى الدولية وإسرائيل خصوصا من انعكاسه عليها سلبيا! وقد بدت بوادر لهذا الأمر عندما أعلن عدد من القيادات الإسرائيلية مؤخرا إدانتها الواضحة لمجازر النظام السوري، ودعوتها للتدخل الدولي هناك. ومن بين تلك القيادات؛ الرئيس الإسرائيلي ورئيس الوزراء ونائبه ونائب وزير الخارجية. وهذا بلا شك لدي يشير لبداية تخوف إسرائيل من تفاقم الوضع وربما تحوله إلى ميدان للجماعات المسلحة من خلال استغلال الفوضى، التي قد تسبب تهديدا مستقبليا لإسرائيل.
بنظري أنه من خلال المعطيات على الأرض؛ لا يوجد حل سوى دعم المعارضة بالسلاح والمال، ومنحها حرية الحركة والدعم السياسي والعسكري من خلال تحالف عربي غربي قوي. يكون أساسه على مؤسسات الثورة وكياناتها السياسية الموحدة، التي يجب بدورها في ظل الوضع السياسي الحالي؛ أن تقوم ببناء ثقة وتفاهم عالٍ مع الأطراف الدولية والإقليمية لأجل توفير الغطاء السياسي والعسكري لهم. وهذه المهمة صعبة بلا شك، خاصة مع تمازج العديد من التيارات المتضادة داخل تلك المؤسسات؛ إلا أن هذا الخيار لم يعد فيه مجال للتردد، ويجب تقديم مصلحة البلد الوطنية على كل المصالح والأيديولوجيات الفردية.
وفي حال تكوين هذا التحالف؛ ستجد أغلب القوى الإقليمية والدولية المؤيدة للشعب السوري أن الطريق مهيأ لدعم المقاومة، بل ربما يجدون أنفسهم أمام هذا الخيار وحده. وإذا نظرنا إلى الحماس التركي على سبيل المثال في بداية الثورة، وقارنّاه بهذه الأيام؛ فإننا سنلاحظ كيفية الهبوط التدريجي في اللهجة التركية، بعد أن تحركت جبهة الأكراد بقوة وكأنها رسائل سياسية لإردوغان، ويبدو أنه استوعب الدرس وراجع نفسه! هذا التردد والتخوّف لن يقع في حال وجود دعم وتحالف دولي وإقليمي، كما أن العكس صحيح؛ فلا تستطيع القوى الإقليمية وحدها أن تقوم بالمهمة، خصوصا مع رمي روسيا بثقلها في القضية، بالشكل الأكثر حماساً من تحرّك القوى الدولية الأخرى الداعمة للشعب السوري.
من أكثر الأمور التي يخشاها المراقبون؛ أن يقوم أحد الأطياف أو إحدى الحركات داخل المحيط الإقليمي لسورية بدءا من مصر وانتهاء بلبنان بإجراء أو تصرف له أبعاد كبيرة، مما قد يتسبب في تضاؤل الدعم الدولي أو حتى ربما تجميده! وهذا ممكن خاصة مع ضعف الوعي السياسي (وربما إلى درجة فقدانه) لدى بعض التيارات الفاعلة في المنطقة.
قبل هذا وذاك؛ يجب ألا ننسى أن الشعب يمكنه وحده أن يحقق انتصاره بالإصرار والتضحية، فلم يكن أحد يتوقع أن تستمر الثورة كل هذه المدة، مع الآلة الإجرامية الضخمة التي وفّرها النظام وحلفاؤه لأجل قمع الشعب وقتله! فلكم الله يا أهل سورية، فاصبروا واحتسبوا إلى أن يأتي الله بأمرٍ من عنده.