ظهرت الطاقة النووية أول ما ظهرت في الحرب العالمية الثانية بقرار السياسيين وجهود العلماء لترجيح كفة الحرب لصالحهم. بعد نجاح المهمة وانتهاء الحرب، توسع نطاق استخدام الطاقة النووية ليشمل توليد الكهرباء، فانتشرت في الستينيات والسبعينيات الميلادية المفاعلات النووية، وكان هذا التقدم في التكنولوجيا النووية رمزًا للفخر والاعتزاز. خلال تلك المرحلة وقعت عدة حوادث محدودة، ولكن لم تكن ذات أثر مباشر في العامة حتى وقوع حادثة ثري مايل أيلاند في 1979. بدأ الرأي العام بعدها بتغيير نظرتهم نحو الطاقة النووية، وأضحت المخاوف من الطاقة النووية تطغى على المخاوف من حرب نووية. وبلغت تلك الحالة ذروتها في منتصف الثمانينيات، وتحديدًا 1986، حين وقعت كارثة تشرنوبل، فتبدلت الآراء، وتغيرت الأحوال، وعُدلت القوانين، وأُرْجِئُ استخدام الطاقة النووية في بعض البلدان والبعض الآخر عطلها، وهوت أسعار اليورانيوم إلى أدنى مستوياتها.

ولكن مع بروز ظاهرة الاحتباس الحراري وصداها العالمي في مطلع الألفية الجديدة، بدأت الصناعة النووية تنتعش من جديد، وأطلت كحل محتمل للتغلب على مشكلة التغير المناخي، وبدأ يتداول مصطلح الصحوة النووية «Nuclear renaissance»، في مقالات بعض الكتاب والعلماء في الولايات المتحدة، منبئًا بحقبة جديدة للطاقة النووية، فانتعشت أسواق اليورانيوم ووصلت ذروتها في 2007 مع توقعات بزيادة كبيرة في الطلب. ولكن سرعان ما تقهقرت الصناعة النووية بعد حادثة فوكوشيما في 2011 والتي كادت أن تقضي على هذه الصناعة برمتها. وكان من أثرها إعادة بعض الدول تفكيرها وحساباتها في الطاقة النووية، والمثال الأشهر هي ألمانيا التي استغنت عن الطاقة النووية وأخرجتها من الخدمة، وعادت إلى الفحم، أكثر المصادر الباعثة لثاني أوكسيد الكربون.

تدريجيًا عادت الثقة بالطاقة النووية كحل أمثل لتخفيض انبعاثات الكربون حتى وصلنا إلى قمة المناخ التي عُقدت خلال هذا الشهر في الإمارات العربية المتحدة، وقد تجلى فيها التوجه العالمي لإعادة الثقة في التكنولوجيا النووية، والدعوة إلى زيادة مصادر الطاقة النووية في العالم لثلاثة أضعاف الرقم الحالي بحلول 2050، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.


فالطاقة النووية، بخلاف مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، تعتبر من المصادر ذات الاعتمادية العالية، والانبعاثات الكربونية المنخفضة جدًا، وقادرة على الإسهام في ضمان أمن الطاقة.

هناك عدة مؤشرات وشواهد تدل على قدوم صحوة نووية سلمية، فقد تبنت عدة دول، لم تكن نووية، الطاقة النووية كمصدر لتوليد الكهرباء، مثل الإمارات وإيران وبنجلادش، وأبدت دول أخرى رغبتها في تطوير برامج نووية ضمن خططها لتنويع مصادر الطاقة، مثل المملكة العربية السعودية والتشيلي، وزادت بعض الدول النووية، مثل الصين وروسيا من اعتمادها على الطاقة النووية، مما ينبئ بصحوة مقبلة، أما بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة فلا تزال الصورة غير واضحة.

بروز هذه الصحوة النووية تفسره عدة ظواهر، حسب رأي المحللين، أهمها: المخاوف المتعلقة بالتغير المناخي، وتزايد الطلب على الطاقة، والرغبة في التخلص من الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري، إضافة إلى الثقة المتزايدة في أسواق الوقود النووي، وارتفاع مستويات السلامة والأمان في هذا القطاع.

في المقابل، يقف خطر انتشار المواد النووية، عثرة في طريق ازدهار الطاقة النووية السلمية، فازدواجية الاستخدام المدني والعسكري المميزة للتكنولوجيا النووية تجعل من انتشارها مسألة بالغة الحساسية، وقد تؤدي إلى تقويض الأمن الدولي. فالهند - على سبيل المثال - استخدمت مواد نووية زودتها بها الولايات المتحدة، ومفاعلًا نوويًا قدمته لها كندا، لإنتاج البلوتونيوم، وصنعت أول قنبلة نووية هندية ونجحت في اختبارها في 1974، وقالت الهند حينها إن الغرض من التفجير «سلمي!!» وسمّت تلك العملية «بوذا المبتسم».

لا يزال الارتباط التاريخي والمنطقي والعاطفي بين الطاقة النووية والأسلحة النووية مستمرًا حتى هذا اليوم، وسيؤثر حتمًا في تقبل الجمهور لأي قرار مستقبلي للشروع في الصحوة النووية.

رغم ذلك لا يزال موضوع الصحوة النووية ليس حتميًا، حتى الآن، فإضافة إلى المخاوف من انتشار الأسلحة النووية، يظل ارتفاع تكاليف بناء المحطات النووية، ومتطلبات تشغيلها، وغياب الحل الجذري للنفايات النووية، عائقًا يحد بشكل أو بآخر من ازدهار الطاقة النووية السلمية وتوهجها.

من المهم الأخذ بعين الاعتبار أن تحقق الصحوة النووية قد يخلق نقصًا في إمدادات الوقود النووي، نظرًا للزيادة الكبيرة المتوقعة على الطلب والتي ستضغط بدورها على الأسعار، وذلك أن الدول التي تمتلك التكنولوجيا الخاصة بتصنيع الوقود النووي محدودة، وهي في حاجة لتلبية سوقها المحلي أولًا، وهذا بلا شك قد يفقد الطاقة النووية على المدى البعيد أحد أهم مقوماتها.