سنة اقتضاها الخالق عز وجل في خلقه ألا تتوقف الحياة عند موت أو حياة إنسان، وفي خارطة وطننا يترجل كريم ويخلفه آخر ليتمم مسيرته، وباختصار لأن المملكة منجم للرجال، فالعالم يغرق بديموقراطياته وجمهورياته وتكهناته فيما أن تاريخنا يوقف تلك الأسئلة والزمن معاً! ولو عاد بنا التاريخ أو عدنا به لوجدنا هذه الحقيقة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ وحتى عهد الملك عبدالله حفظه الله، فبرحيل الأمير نايف ـ رحمه الله ـ يعترف العالم بأسره بأن المملكة فقدت رجل الأمن والحكمة والعطاء بعد أن نذر عمره في خدمة دينه ووطنه لتبقى ذكراه ومنجزاته على حدود الوطن وفي نحور أعدائه ولو كره الكارهون، تأتي السلاسة والسرعة ويسر التنبؤ والحدث لندرك نعمة الله علينا بوحدة الكلمة، واستتباب الأمر لأهله، كما هو امتداد تاريخ مؤسسة الحكم في بلادنا، ويأتي الاختيار المبارك لسمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ ولياً للعهد شاهداً على سداد الرأي وبعد النظر، وتعيينه ولياً للعهد امتداداً للعطاء الذي قدمه في كافة المجالات والخبرات المتراكمة التي يستند عليها، وتثمين لجهوده ووفائه وعمله في عدة اتجاهات من رمز الوطن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
الأمير سلمان يملك سجل حياة عملية معروفة بالتميز والإخلاص والوفاء، فهو خريج مدرسة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وخمسة ملوك تعامل معهم كمسؤول وأخ وعون ومشير، فكان أنموذجاً للشخصية القيادية والإنسانية الوفية مع إخوانه بوقفاته معهم منذ نعومة أظفاره، سائراً على خطاهم في كل ما تقلده من مناصب ومواقع قيادية أظهر فيها سياسته وحكمته لستة عقود، وكان على مدى تلك العقود المتعاقبة نعم العون والمشير، ورجل السياسة والحصافة كالعادة، ليعتبر سلمان أكثر الأمراء الذين يُلجأ إليهم لأخذ المشورة والنصح، ليظل وفاؤه مرسوماً لجميع الملوك السعوديين قولاً وفعلاً، ليس آخرها حرصه الشديد على توثيق تاريخهم ملكاً بعد آخر!
الأمير سلمان شخصية قيادية من الطراز الرفيع، مثقف مطلع على الكثير من القضايا الثقافية والإعلامية، كما أن إسهاماته بارزة من خلال دعمه واهتمامه بمكتبة الملك فهد الوطنية ودارة الملك عبدالعزيز اللتين تقومان بمهام ثقافية جليلة في حفظ التراث وتوثيق التاريخ للمملكة.. ليمتد اهتمامه إلى العلم والعلماء وإيمانه بأهميتهما فجعل جزءاً من كل في تركيزه على تعليم أبنائه تعليماً متميزاً، وفي الخط الآخر نجده حازماً مع الخطأ حتى لو ورد من أبناء أسرته، ومنصفاً لمن أراده، مشيداً لعقود من العطاء لكل لبنة من لبنات تطوير وبناء مدينة الرياض التي وضعها في قلبه فعشقته، فأصبح عنوانها الذي تحب!
أجمل ما في (سلمان) أنه كتاب مفتوح، يعلمه الجميع ولا يجهله أحد، دليله حرص شديد وملاحظات دقيقة حول كل ما يخص الإعلام والنقد بكل اتجاهاته رغم كثرة مسؤولياته وتعدد مشاغله، يملك إدراكاً للملكات التي يتمتع بها منذ أن كون علاقة مع الإدارة في بداية تشكل الدولة السعودية الثالثة، ومن موقعه في إمارة منطقة الرياض تمكن من إقامة شبكة واسعة من العلاقات الداخلية بقبائلها وعشائرها ومثقفيها وإعلامييها، وفي منعطف تقابله علاقات واسعة مع شخصيات دولية وإقليمية وعربية كونها في عقود لتتناغم هذه الخبرة المتراكمة في معرفة الأوضاع الداخلية والعربية والدولية لتشكل رصيداً ثرياً له في موقعه الجديد.
ورغم كبر حجم المسؤولية الملقاة على الأمير سلمان والتركة الكبيرة التي خلفها له أخواه الراحلان الأميران سلطان ونايف ـ يرحمهما الله ـ والملفات التي تنتظره في الداخل خاصة وفي الخارج وينتظرها المواطنون السعوديون على اختلاف مشاربهم، يقابلها ارتياح كبير منهم وإيمان كبير بقدرته بإذن الله على إحداث علامة فارقة في تاريخ الدولة والمسير بها إلى المعالي، وهنا لا نملك جميعاً إلا بالوقوف معه في نفس الخط من المسؤولية والمواطنة الصالحة الحقة، وأن نلهج له بالدعاء الصادق من القلب أن يوفقه الله تعالى لينهض بالمسؤولية الملقاة عليه في هذا الوطن وأن يرزقه البطانة الصالحة وأن يسدد خطاه ليكون سنداً وعوناً لأخيه خادم الحرمين الشريفين ولشعبه ووطنه.