(النخب، المفكرون، الصفوة، الإنتلجنسيا، المثقف)، هذه المفاهيم الشائعة في عالم النظريات والأطروحات والأيدولوجيات، التي يصبو إليها كثير من الشخصيات لأن لها بريقًا لدى الجماهير وإعجابًا، ومحاطه بأسوار ذات تأثير واسع في التاريخ، لكنها وجدت في عالمنا اليوم بطرق وأساليب مختلفة وبلغة أشبه بلغة المخطوطات القديمة. لها العراقة دون التأثير القوي لأن البعض منها ما زال يفكر ويناقش قضايا تاريخية، باعتبار أن الحديث في التاريخ ضرورة لكل النخب المثقفة. ليس ذلك فحسب ولكن لا بد للنخب أن تعطي حلولًا لحقبة زمنية قديمة ليس لها قيمة في وقتنا الحاضر، سوى مزيد من الانقسامات والتشرذم. وإن كنت أتفق بوجوب فهم النسق التاريخي وسردياته القديمة، لكن ليس هذا هو المطلوب، فحضور النخب ليس بضرورة وجود تأثير لها، فمتى اختلف أو غاب تأثيرها ودورها تصبح ليست لديها قيمة سوى اسمها. فبحسب رأي أحد المفكرين والمثقفين والنخب أمثال غرامشي الذي يرى أن للنخب والمثقف دورًا أساسيًا في التغيير، وهو القادر على تكوين طبقة جديدة مرتبطة بأفكار الناس وقضاياهم، وتحويلها إلى مشاريع تنموية واقتصادية وسياسة وفكرية بأساليب علمية، تقود المجتمع إلى الرقي بشتى مجالاته. هذا هو الدور والتأثير الذي لا بد أن يسعى إليه المثقف والنخب في وقتنا الحاضر. كذلك لا بد أن يكون له دور إستراتيجي وهو خلق الوعي وصناعته، لأنه لا يمكن لمجتمع أن يحقق أهدافه وطموحاته ويمارس واجباته ويتغلب على عقباته إلا بالوعي فهو بوابة الريادة والانتصار والتميز. فالأفكار، والابتكار هي التي تصنع الأمم والشعوب، وهي التي تخلق القيم وتحسن توظيفها بين أفراد المجتمع. كذلك يمكن للنخب أن تمارس صناعة الإنجاز من خلال حشد الرأي العام، وتسويق الأفكار للتنقل من المحلية إلى العالمية، فلا يكفي أن تكون النخب بين أسوار المدينة أو الدولة، وإنما لا بد أن تكون حاضرة في المحافل الدولية، ليس لذكر الإنجازات وإنما كتسويق المشاريع والتجارب الناجحة والقصص الملهمة. كذلك لا بد للنخب من المساهمة في صناعة المنجز الإنساني والحضاري وتكثيف النشاطات للمحافظة على هذه الإنجازات.
إن النخب لا بد أن تعمل في ظل توجهات وأهداف تطور المجتمع فهي تقوم بأدوار صناعة التكييف والتكامل وتحقيق الأهداف. لكن لا بد أن تعي النخب حتى يكون لها تأثير وليس حضورًا فقط ألا تكون أسيرة التأثير من الجماهير ووسائله الإعلامية، وألا تتحول قيادة الجماهير من قبل النخب إلى أن الجماهير هي التي تقود النخب في دهاليز الأهواء والقضايا الجدلية التي لا تقدم ولا تسهم في بناء المجتمعات، وهذا الأمر يتطلب التفكير بعقلية المسؤولية وإعادة التموضع والدعم من قبل الجهات المسؤولة عن احتضان هؤلاء المفكرين، واحتضان مشاريعهم وإستراتيجياتهم طويلة الأمد، التي من شأنها أن تبني مشاريع حضارية وفكرية، ذات تأثير واسع في العالم بمختلف المجالات.