تدرك الشركات العالمية أهمية الاستثمار بالمعلومات وتعزيز جمعها، والحصول على فوائد علمية وتجارية ضخمة منها. ومن أهم مجالات الاستثمار جمع المعلومات الطبية عبر الملفات الإلكترونية لملايين المرضى والأجهزة القابلة للارتداء، ومن ثم تحليل تلك البيانات والاستثمار بمجالات الذكاء الاصطناعي، التي بكل تأكيد ستغير وجه الطب بالسنوات المقبلة. قرأ كثيرون عن القرار الصادم من شركة «أبل» بالتوقف عن بيع أحدث الإصدارات من ساعتها الذكية في الولايات المتحدة، بسبب نزاع حول براءات الاختراع، ما أدى إلى سحب بعض أجهزتها الأكثر مبيعاً من السوق، بعد النزاع الطويل مع شركة ماسيمو حيث قضت لجنة التجارة الإلكترونية في أكتوبر بأن أبل تنتهك براءة اختراع ماسيمو إصدارات الساعات الذكية المزودة بمستشعر الأوكسجين في الدم.

نلخص هنا أهم مجالات استخدام البيانات التي تجمع بطرق مختلفة بالمجال الطبي:

-1 التشخيص:


يعتبر تشخيص الأمراض أحد أهم الأهداف الرئيسة من تجميع البيانات الصحية وتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، وقد سجلت الأنظمة والأجهزة المزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي نموا كبيرا في عام 2023 حيث أشارت الأرقام وفقًا لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) إلى أن الزيادة في الأجهزة التي تدعم الذكاء الاصطناعي مقارنة بعام 2022 وصلت إلى أكثر من %30 بمجموع وقدره 692 جهازا. وتمركزت تلك الأجهزة بالتخصصات التالية: الأشعة وتمثل الجزء الأكبر بنسبة %76 ومن ثم أمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة %10، أما في طب الأعصاب فكانت الحصيلة حوالي %30. النسب المتبقية توزعت على التخصصات الطبية الأخرى.

2 - المراقبة

على المنوال نفسه بجمع البيانات من خلال أجهزة قابلة للارتداء (حيث حققت ساعة «أبل» وحدها نحو 17 مليار دولار في السنة المالية 2023) استثمرت كبرى الشركات العالمية في هذه التقنيات الجديدة وبحلول عام 2025 سوف يبلغ حجم مبيعات هذه السوق أكثر من 40 مليار دولار أمريكي، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ %24، وتسمح الأجهزة القابلة للارتداء بجمع بيانات عن العلامات الحيوية للمستهلك، إلى جانب عديد من المعلومات الأخرى.

3 - تحسين كفاءة الرعاية الصحية من خلال حوكمة العلاقة بين الأطراف التأمينية (مقدمي الخدمات والدافعين) حيث بإمكان مقدمي الخدمة الطبية التفرد والتميز من خلال خوارزميات مطورة لتقديم برامج الصحة العامة ومقياس الأثر المستفاد. وأيضاً يمكن للبيانات أن تدفع التطبيقات لاكتشاف المطالبات الاحتيالية مع تقديم مدفوعات في الوقت المناسب للمطالبات الحقيقية، وذلك سيقدم خدمات جليلة لشركات التأمين المختلفة.

طبعاً هناك عديد من الاستخدامات الكبيرة والمستقبلية في جميع مجالات الرعاية الصحية، ولكن الفئة الأكثر استفادة من الاستخدام السليم للبيانات هو المريض، لأن فهم المرض وأسبابه والوقاية منه وعلاجه الذي يأتي من البحث عن أنماط في البيانات الطبية، يمكن أن يحسن نوع العلاجات المختلفة للأمراض.

ختاماً... هناك فرص كبرى قادمة بالاستثمار في قطاع المعلوماتية الصحية وتطوير برامج الذكاء الاصطناعي، وستحدث حروب كبرى بين الشركات العالمية للاستئثار بهذه التقنيات. وكلي إيمان أنه مع التقدم التقني المذهل للمملكة بقيادة سمو سيدي ولي العهد الأمين ومع الاستثمار الكبير في تطوير الابتكار والأعمال عبر العشرات من المشاريع المختلفة، سنرى المملكة مع رؤية 2030 منارة للعلم والعالم كأجمع كما قال الشاعر:

وإنِّي لنجمٌ تهتدي بي صحبتي

‏إذا حال مِن دون النُّجومِ سحابُ