غادر السفير الأميركي لدى سورية، روبرت فورد، دمشق يوم 24 أكتوبر الماضي لأسباب أمنية، وقال متحدث باسم السفارة الأميركية في دمشق إن فورد غادر بعد تلقيه تهديدات جديَّة تتعلق بسلامته الشخصية. وتشكل مغادرة فورد لسورية منعطفاً جديداً في الفترة التي قضاها في هذا البلد الذي يشهد اضطرابات واسعة منذ حوالي ثمانية أشهر. وكانت الزيارات التي قام بها السفير الأميركي لمناطق ساخنة في سورية، مثل حماة ودرعا، وحضوره عزاء ناشط سوري بارز في المعارضة السورية، قد أغضبت النظام السوري ومؤيديه الذين اعتبروا سلوكه انتهاكاً للأعراف الدبلوماسية والدولية. الأوساط الأميركية لم تحدد موعد عودة السفير الأميركي إلى دمشق وربطت ذلك بالتطورات القادمة والخطوات التي يتخذها النظام لحل المشاكل الداخلية. بالمقابل، ومن باب المعاملة بالمثل، استدعت الحكومة السورية سفيرها في واشنطن "للتشاور" رداً على الخطوة التي قامت بها الولايات المتحدة.

وكان السفير روبرت فورد قد شارك في منتدى السياسة الذي نظمه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في 14 أكتوبر الماضي، وألقى خطاباً عبر شبكة الإنترنت (سكايب) تحدث فيه عن الأحداث في سورية وما لمسه خلال زياراته الميدانية لمناطق الاضطرابات الأكثر سخونة فيها، ولقاءاته مع بعض قادة المعارضة السورية. كما تحدث خلال المنتدى أندرو تابلر، الباحث في معهد واشنطن ومؤلف كتاب "في عرين الأسد: رواية شاهد عيان لمعركة واشنطن مع سورية" عن الموضوع نفسه. وفيما يلي ملخص لما جاء في مشاركات كل من السفير روبرت فورد والباحث أندرو تابلر:

روبرت فورد

قال السفير روبرت فورد إن حركة الاحتجاجات في سورية لا تزال واسعة الانتشار وسلميَّة بشكل عام. لكن العنف في تصاعد مستمر، خاصة في حماة، ودير الزور، واللاذقية، وحمص. وتحاول "اللجان التنسيقية المحلية للثورة" أن تحافظ على سلميَّة الاحتجاجات، لكن استمرار النظام في قتل واعتقال المتظاهرين جعل الدعوات لحمل السلاح أكثر انتشاراً. بعض المحتجين أشاروا حتى إلى تأييدهم لتدخل عسكري أجنبي، بما في ذلك تدخُّل حلف شمال الأطلسي (الناتو). لكن الناشطين البارزين، بما في ذلك قادة التنسيقيات المحلية، يؤكدون معارضتهم للتدخل العسكري الأجنبي، مع ترحيبهم بمراقبين دوليين. المقلق في الأمر أن تصاعد أعمال العنف سيجعل النظام يستخدم مزيداً من العنف، الأمر الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى حرب طائفية.

وبالفعل فإن العنف الطائفي في سورية يُعتبر مثار قلق متزايد حالياً. الأقليات السورية قلقة من احتمال حدوث تغيير في النظام الحالي في سورية، فهم يخشون من تكرار السيناريو العراقي بشكل أو بآخر. المحتجون يعون أهمية القلق الذي يشعر به كثير من السوريين حول احتمال حدوث أعمال عنف طائفية، وهم يكررون باستمرار دعواتهم للوحدة الوطنية بين سائر أطياف الشعب السوري. اغتيال المعارض الكردي البارز ميشيل تمو في الفترة الأخيرة دفع الكثير من الأكراد إلى تأييد المحتجين. حتى الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد وكبار ضباط الجيش والأمن ليست متحدة في تأييدها للنظام السوري، وهناك في الواقع العديد من العلويين الناشطين في المعارضة. منذ عدة أسابيع في حمص، أصدر ثلاثة رجال دين علويين بياناً دعوا فيه الطائفة العلوية إلى الابتعاد عن النظام وتأييد التغيير الديموقراطي الذي يدعو إليه المتظاهرون.

وبينما يستمر الصراع وتستمر معاناة الاقتصاد السوري، سيعيد كثير من السوريين، بما في ذلك العلويين، التفكير في مواقفهم. الإحساس بعدم الرضا يتنامى بين طبقة التجار السُنة، الذين يعتبرون أحد الأعمدة التي يستند إليها النظام. من أصحاب المحلات الصغيرة وصولاً إلى كبار رجال الأعمال، الوضع الاقتصادي سيء جداً. يتوقَّع صندوق النقد الدولي أن يتقلص الاقتصاد السوري بنسبة 2% خلال عام 2011، وقد يكون الرقم أعلى من ذلك في عدد من القطاعات الاقتصادية. وفي الوقت الذي يدَّخر فيه السوريون المال تحسباً لفترة طويلة من عدم الاستقرار، انخفض استهلاك السلع بجميع أنواعها، من الأجهزة الإلكترونية وصولاً إلى المواد الغذائية، بشكل كبير. حمص، ثالث أكبر المدن السورية، هي عملياً متوقفة بشكل تام. بالإضافة إلى ذلك، بدأت طبقة التجار تعيد التفكير جدياً بعلاقتها الوثيقة بالنظام بعد أن رأى كثير منهم أسماءهم تظهر على قائمة عقوبات دولية تكبر يوماً بعد يوم لتضم أسماء ومؤسسات جديدة.

وفي الوقت نفسه، تستمر إيران في لعب دور خبيث في سورية. بالإضافة إلى الدعم السياسي، تقدم طهران الاستشارات حول أساليب القمع الأمنية، والسيطرة على مواقع الإعلام الاجتماعي، والرقابة على الإنترنت. كما قدمت لسورية أيضاً أجهزة تساعد في أعمال القمع والاضطهاد.

وسط كل هذه التطورات، تتصاعد الضغوط الدولية على النظام السوري يوماً بعد يوم. رغم الفيتو الذي استخدمتاه في مجلس الأمن الدولي، صرحت كل من روسيا والصين بشكل صريح أن صبرهما مع الرئيس السوري بشار الأسد ليس بلا حدود. بينما تتباطأ دمشق في تطبيق إصلاحات حقيقية، لن تتمكن موسكو وبكين من الاستمرار في تأييد الرئيس السوري على أساس أنه سيفي بوعوده الإصلاحية.

في مواجهة الوضع الحالي في سورية، تتبنى حكومة الولايات المتحدة ما يلي:

• الاعتراف بحقيقة أن أي إصلاحات غير حقيقية يقوم بها النظام السوري سيكون لها تأثير قليل على الأرض. وقليل من المحتجين سيقبلون الحوار مع الحكومة في هذه المرحلة، وهذا يعني أنه سيكون من المستحيل تقريباً العثور على أي شخصية سياسية سورية مستعدة لتبني مثل هذه المحادثات مع الدولة.

• استمرار عدم استخدام العنف من قبل المحتجين: يجب على الولايات المتحدة بالطبع أن تثابر على حث الحكومة السورية للتوقف عن عمليات القمع والاضطهاد، والسماح بالمظاهرات السلمية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، واحترام الحريات السياسية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أيدته سورية في الأمم المتحدة. وبما أن المعارضة لا تمتلك القدرة العسكرية للإطاحة بالنظام بالقوة، عليها أن تركز على كسب التأييد السياسي والدبلوماسي، وهذا يعني أن على الثورة أن تبقى سلمية.

• إرسال بعثة لتقصي الحقائق للتحقيق في مدى نشاط الميليشيات المسلحة في أنحاء مختلفة من سورية، حيث إن هذه المعلومات غير متوافرة حالياً.

• الدعوة إلى وجود إعلامي أوسع في سورية، بالإضافة إلى وجود قدرات للرقابة الدولية، حيث إن كلا هذين الأمرين سيوفران فهماً أفضل للوضع على الأرض. هذه البنود كانت موجودة ضمن القرار الدولي الذي تم استخدام الفيتو ضده في مجلس الأمن الدولي.

• زيادة حرية الحركة للصحفيين الأجانب في سورية.

• تشجيع المعارضة على تقديم اقتراح واضح وملموس قابل للتطبيق لسورية ما بعد الأسد. والعمل على إيجاد إجماع حول خطة سياسية واقتصادية محددة مما سيساعد على إقناع النخبة من التجار السُنة والسوريين الآخرين الذين لا يزالون على الحياد بأن يبتعدوا عن النظام. وتأسيس المجلس الوطني السوري أمر مشجع في هذا الخصوص، لكن لا يزال على المعارضة أن تعمل على تحسين وتطوير جهود التوعية والتنظيم التي تقوم بها.

• العمل على إيجاد رد منسق مع الحلفاء الدوليين – بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، وتركيا- للضغط على الحكومة السورية وإجبارها على التوقف عن القمع. العقوبات الأوروبية الأخيرة على البنك التجاري السوري خطوة إيجابية، وسوف تستمر واشنطن في العمل مع الأمم المتحدة رغم أنها تواجه الفيتو في مجلس الأمن من قبل روسيا والصين. سيتم اتخاذ خطوات أحادية الجانب أيضاً، ويمكن توقع عقوبات اقتصادية أميركية إضافية ضد سورية خلال الأسابيع القادمة.

باختصار، سوف تستمر الولايات المتحدة في العمل الجماعي لنقل رسالة واضحة لنظام بشار الأسد والحركة الاحتجاجية في آن معاً: أن المجتمع الدولي يراقب القمع والاضطهاد في سورية بقلق ورفض بالغ ويشعر ببالغ القلق على مصير وسلامة المدنيين. وفي الوقت نفسه، فإن عملية التغيير السياسي وعملية اتخاذ القرارات يجب أن يقودهما في النهاية السوريون. هذا المبدأ وجدت الولايات المتحدة صعوبة في أن تفهمه في العراق. ومع ذلك فإن عملية يقودها السوريون ضرورية حتى ولو كانت أكثر صعوبة وأقل إمكانية للسيطرة مما ترغب به الولايات المتحدة.

أندرو تابلر

من جانبه، أكد الباحث أندرو تابلر أن الضغوط الدولية المشتركة هي أفضل وسيلة وأكثرها فاعلية للتأثير على دمشق، ولذلك فإن رد الحكومة الأميركية على قمع النظام السوري لشعبه يعتبر رداً بناء ومفيداً. عملت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي جميعها بتنسيق تام في مجال العقوبات، وصولاً إلى المنع الأوروبي لشراء النفط السوري بدءاً من 15 نوفمبر. يستهلك الاتحاد الأوروبي 90% من صادرات النفط السورية، وهذا العمل سيقلل بشكل كبير الأموال المتوفرة لنظام الرئيس الأسد.

ومع ذلك فإن الفيتو الروسي والصيني مؤخراً في مجلس الأمن أحرج أي جهود مستقبلية مشتركة، رغم حقيقة أن القرار الذي تم استخدام الفيتو لمنع صدوره كان قد تم تخفيفه لدرجة لم يبق له أي أثر حقيقي. وفي الوقت ذاته، يستمر المحتجون في خسارة أرواحهم، وتتزايد احتمالات تصعيد الاحتجاجات إلى صراع مسلح.

وبالتالي يقترح أندرو تابلر أن تتخذ الولايات المتحدة الخطوات التالية:

• تركيز جهودها على هدف إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهذا سيتطلب مزيداً من الضغوط الدولية المشتركة. بشكل خاص، على الاتحاد الأوروبي أن يستهدف البنك المركزي السوري.

• العمل مع المعارضة السورية على إيجاد وسائل للمقاومة المدنية، خاصة الإضرابات العامة. مع أن مثل هذه الأعمال تحدث بالفعل، فإن الإضرابات على نطاق واسع سوف توفر مزيداً من الفرص لتسليط الضوء على أن نظام الرئيس الأسد ومؤيديه لا يتقيدون بحقوق الإنسان وحرية التعبير.

• مساعدة المعارضة السورية على وضع وتطوير خطة لسورية في مرحلة ما بعد نظام بشار الأسد. مثل هذه الخطة ستساعد على انقسام النخب في دمشق وحلب عن النظام. المعارضة حققت تقدماً كبيراً في التنظيم والتخطيط، ومع أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تقود العملية، فإنها تستطيع أن تسهل عمل الديموقراطيين السوريين.

• الاستعداد لأسوأ الاحتمالات. على الولايات المتحدة أن تحدد أي الخطط ليست على الطاولة، وعوضاً عن ذلك عليها أن تتبنى حواراً شاملاً عن الخيارات السياسية في حال تحولت الأحداث نحو صراع أوسع تكون فيه المعارضة الطرف الأضعف بشكل كبير.

• تشكيل مجموعة اتصال للبلدان التي تؤيد الديموقراطية في سورية وذلك سعياً لتنسيق رسالة سياسية متماسكة وخيارات سياسية تستند إلى العصف الدماغي.