كلنا سمع عمّا تعانيه المرأة عادة في الأسابيع الأولى للحمل من عياء وغثيان وقيء وغيرها من المشاكل التي تؤرق النساء، هذا ما يعرف بغثيان الصباح (Morning sickness)، ويُقلل أكثرنا من تأثيرها على المرأة، لا سيما من يجهل ما يمر به جسم المرأة الحامل. وتُعرف الحالات العنيفة والقوية من غثيان الصباح بالقيء المفرط الحملي (Hyperemesis Gravidarum) وتعاني منه 30 % من النساء حسب ما ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، ولم تكن تُعرف أسباب القيء الحملي المفرط بشكل دقيق.
في غالب الأحيان، كان يُرجع أطباء النفس ذلك لأسباب سيكولوجية كعدم تقبّل الحمل، تقول الباحثة في علم البيولوجيا الوراثية في جناح طب الولادة في جامعة كاليفورنيا مارلينا فيجوزي، عندما كانت شابة، فقدت جنيني الثاني بعد معاناة مع القيء الحملي المفرط دون معرفة الأسباب، مما دفعني إلى تعميق البحث في الظاهرة.
بحث شامل
وانطلاقا من عام 2018، قادت الباحثة فريقا دوليا قام بأبحاث متعددة حول أحد الهرمونات البشرية، والمسماة، GDF15، ونشرت نتائج الدراسة رسميا في مجلة Nature العلمية العريقة، ويدخل هرمون GDF15 في كثير من وظائف الجسم ومن بينها التحكم في شهية الإنسان ووزنه، وأظهرت الدراسة أن الجنين يفرز في جسم المرأة الحامل مستويات مرتفعة من هرمون GDF15 لسبب غير معروف حاليا، ويرتفع إفراز الجنين لهذا الهرمون تدريجيا في الأسابيع الإثني عشر الأولى للحمل، وتعتبر مستويات الهرمون التي تم قياسها كبيرة لدى النساء اللاتي يعانين بشكل عنيف من الغثيان.
هرمون GDF15
ولم تكتفي الدراسة بإظهار هذا الارتباط، بل قاست مستوى هرمون GDF15 الموجود طبيعيا لدى النساء قبل الحمل. وتم استنتاج أن النساء ذوات مستويات ضعيفة من هرمون GDF15 قبل الحمل، هن اللاتي يعانين أكثر من الغثيان أثناء الحمل، ما يعني أن جسم النساء غير المُتعود على مستويات هامة من هرمون GDF15 يعاني كثيرا عندما يبدأ الجنين في إفراز مستويات عالية من ذلك الهرمون خلال الحمل. فالنساء اللاتي لديهن مستويات هرمون GDF15 كبيرة قبل الحمل، لا يعانين أبدا في الغالب من القيء والغثيان عندما يحملن، وهي علاقة لم تكن معروفة من قبل وأكدتها أيضا تحاليل جينية خلال الدراسة.
عقار مضاد للقيء الحملي
وتفتح الدراسة أبوابا عديدة نحو إيجاء أدوية للقضاء على ظاهرة القيء الحملي المفرط أو التقليل من أعراضها، ومن بين الفرضيات العلاجية، ابتكار أدوية تستهدف مستقبلات الهرمون GDF15 لدى المرأة الحامل، ما يعني النقص من تأثير الهرمون عبر تعطيل عمله فيزيولوجيا، ويرى الباحثون في حقن المرأة قبل الحمل بهرمون GDF15 للتقليل من تأثيره السلبي بعد الحمل.
وتم تجربة هذه الوسيلة بشكل أولي وناجح لدى الفئران، لكن يبقى من الضروري تحديد نجاعة التقنية وسلامتها على المرأة وجنينها عبر قياس المستويات غير الضارة والعوارض الجانبية المحتلمة، وهو عمل قد يأخذ سنوات عدة.