كما تكثر في الإجازة الزواجات تكثر فيها الوفيات، ولا شيء أحب من الأولى وأبغض من الثانية للنفس البشرية، رغم أن الأولى يفرح بها شخصان ويحزن للثانية الكثير. وحتى.. والموت حق وطريقٌ لا مناص منه إلا أنه لا أحد يتمناه لعدوه إلا عدوٌ قاتل.
يتملكنا الخوف من الموت.. حين يسافر "عزيز" عبر طرق الشمال أو الجنوب، فتضع يدك على قلبك خوفاً عليه من سوء الطرق وحفريات المقاولين وإهمال المسؤولين وتجاوزات بعض المسافرين.. وتخشى من دعوة "عزيزٍ" بعيد لمناسبة سعيدة؛ خوفاً عليه من طرقاتنا المهلكة التي لا تزال تأكل الناس وتزداد شراهة في الإجازات.
بشدة خشيتنا من الموت.. نؤمن أن "ملك الموت" حين ينزع الأرواح لا يفكر في الأعمار ولا يبحث عن الأسباب، إنما ينفذ قدراً مكتوباً لا يقدم ولا يؤخر عنه ساعة... ويكون الموت أشد إيلاماً حين يتوافق مع الأفراح فيحولها إلى أتراح، وينصب وسطها سرادق العزاء.
باستطاعتك أن تواسي أخاً فقد شقيقه الأكبر بعد معاناةٍ مع المرض، وبمقدورك أن تعزي أباً فقد ابنه في حادثٍ مروري، لكن من الصعب جداً أن تفكر بمواساة أب فقد ابنه البكر وهو يعد العدة للاحتفال بزواجه، دون حادثٍ وبلا مرض، وإنما نام بعافيته ولم يستيقظ! والمؤلم أكثر أن تجد الأب يواسيك بإيمانه الذي طغى على عاطفته، فكان بارزاً في المقبرة ليعلم "الجميع" أن الإيمان بالأفعال وأن الصبر الذي وصى به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عند الصدمة الأولى هو ردة فعلٍ للإيمان والتدين.
لم أتصور أن أعود تلميذاً عند أستاذي "نادي العنزي" بعد 13 عاماً لأتعلم منه الصبر والإيمان بالقضاء والقدر والرضا بما كتبه الله تعالى لنا في هذه الحياة الدنيا، وهو يودع ابنه "عبدالرحمن" الذي لم يتجاوز 21 ربيعاً. فكرت عدة مرات بعدم الذهاب إلى المقبرة؛ فقط لأني لا أستطيع رؤية أبٍ فقد ابنه فجأة قبل زواجه بأيام، لكني عدت منها بدرسٍ عظيم عايشته واقعاً وليس حديثاً وعظياً.
رحم الله "عبدالرحمن" وأجر والديه في مصيبتهما وأخلفهما خيراً منها.