هذا ما تفعله تمامًا غابات المانجروف التي أطلق عليها المهتمون بالبيئة «الأشجار المعجزة»، وهي أشجار تعيش على الماء المالح، ولكن مع ذلك تكون أزهارها غذاء لنحل ينتج العسل النادر.
وحسب ما كشفه مسؤول وحدة التأهيل والمحافظة على غابات المانجروف في المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، المهندس عميد أبو المكارم، فإن «غابات مانجروف القطيف أنتجت أكثر من 15 طنًا من العسل خلال السنوات الـ3 الأخيرة، أي منذ إطلاق مبادرة استثمار عسل المانجروف التي نفذتها وزارة البيئة والزراعة والمياه في المنطقة الشرقية.
ولفت أبو المكارم إلى أن «أشجار المانجروف تنمو في بيئة مثالية، ولا تحتاج إلى المبيدات أو التدخل البشري للنمو، مما ينعكس بشكل ملحوظ وإيجابي على جودة العسل الذي يتم إنتاجه، حيث تقوم الأشجار بامتصاص الماء المالح من التربة، وتتركز الملوحة في جذورها، وأوراقها فقط، وبالتالي يكون رحيق الأزهار نقيًا، وعسله حلو المذاق».
وأوضح «أصبح العسل المُستَخلَص من أشجار المانجروف، التي تتغذى بالمياه المالحة في محافظة القطيف، الأكثر طلبًا في الأسواق، وحقق عددًا من الجوائز في مسابقات العسل المحلية والعالمية».
عسل نادر
يواصل أبو المكارم «هناك عدة أنواع من العسل، منها عسل السدر وهو الرائج، وكذلك عسل زهور الربيع، فيما يعد عسل المانجروف من الأنواع النادرة، حيث لا يمكن لجميع النحالين إنتاجه إلا في أماكن محددة، وذلك لأن أشجار المانجروف تنمو في بيئة مختلفة تماماً عن باقي الأشجار، حيث ترتوي من مياه البحر وتستمد الغذاء من بقايا صغار الأسماك والروبيان والكائنات البحرية التي تنمو في بيئة خصبة أسفلها».
وعن مميزات هذا العسل، قال «أثبتت الدراسات أن نسبة الجلوكوز في عسل المانجروف تكاد تصل إلى الصفر، وبالتالي فهو مناسب جدًا لمرضى السكري، ويمتاز بسرعة التبلور الذي يصلح لصناعة المربى، في حين لا تحتوي زهرة شجر المانجروف على حبوب لقاح».
وأردف «خلايا النحل التي وضعها مربو النحل في غابات المانجروف نجحت في إنتاج كميات كبيرة من هذا العسل الذي يتميز بجودته العالية وفوائده الصحية المعروفة»، منوهًا أن إنتاج عسل المانجروف كان معروفًا في السابق لدى النحالين من ساكني المدن القريبة من الغابات، ولكن تدشين مبادرة مشروع منحل عسل المانجروف نهاية 2020، من قبل وزارة البيئة والزراعة بعد التنسيق مع إدارة حرس الحدود أضاف عددا أكبر من المزارع والمرابي بتراخيص لممارسة العمل، إذ أسهمت 2278 خلية نحل تتواجد بين أشجار المانجروف على الساحل الشرقي، في تمويل هذه المبادرة.
وأضاف «يختلف مستوى الإنتاج بحسب نوع النحل، ونوع الخلايا، فهنالك خلايا بلدية وخلايا حديثة، مختلفة الأحجام كذلك، تحتوي كل خلية بسيطة غالبًا من 4 إلى 6 براويز»، ولفت إلى أن المنحل الذي يملكه يضم خلايا تستوعب 10 براويز، كل برواز منها بوزن 2، 850 كلج، ويصل صافي العسل منها إلى قرابة 2 كلج، وتنتج خلية المانجروف في المعدل من 3 إلى 4 كلج في الموسم، وخلال العام تنتج حوالي 12 كلج، وتزيد الإنتاجية في الصيف 70% عنها في فصل الشتاء.
جوائز وتكريم
يمتاز العسل الذي تنتجه غابات المانجروف في المدن الساحلية الشرقية مثل، سيهات وصفوى وتاروت برائحة ونكهة وقوام مميز، وهو ما جعله منافسًا بقوة في أسواق العسل، ففي هذا العام 2023 فاز علي السلطان، وهو نَحال غير متفرغ، يعمل في دائرة التحول الرقمي وتقنية المعلومات في أرامكو السعودية، بميدالية ذهبية في مسابقة باريس الدولية لجوائز العسل، وذلك للعسل المنتج في المنطقة الشرقية بالمملكة.
ومثله فاز 6 نحالين في المملكة بجائزة لندن لأجود أنواع العسل، بينهم النحالة دينا العبدالرضا بعد فوزها بميداليتين ذهبيتين عن إنتاجها المتميز من عسل المانجروف وعسل السدر، بينما حصل عسل مانجروف القطيف الذي شارك به، المهندس عميد أبو المكارم، في مهرجان جازان للعسل على إشادة، وتكريم الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز، أمير منطقة جازان.
كما شاركت النحالة فاطمة بنت صالح الميلاد أصغر بائعة للعسل، وهي تبلغ 21 ربيعًا في عدد من الفعاليات والمهرجانات الخاصة بإنتاج العسل في مختلف مناطق المملكة وتم تكريمها لذلك، وقد ذكرت أنها بدأت التعلم واستكشاف عالم النحل منذ أن كان عمرها صغيرًا جدًا في منحل والدها، ومع مرور الزمن تحولت هوايتها إلى نشاط وعمل تجاري، وحصلت على تصريح رسمي من وزارة البيئة والمياه والزراعة وهي في الـ15 من عمرها، واستطاعت أن تجمع بين عملها ودراستها، وقد وصل إنتاجها إلى 200 خلية، كل خلية تنتج من 800 إلى 1000 كجم من العسل.
غابات بالغة القِدم
يذكر مهتمون في المجال البيئي، وباحثون في الشأن التاريخي في محافظة القطيف أنها بيئة طبيعية خصبة لنمو أشجار المانجروف على شواطئها، وأن وجود أشجار المانجروف في الخليج قديم جدًا، وهو ما تنقله مخطوطات أثرية قديمة تعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد.
وكانت أشجار المانجروف أكثر انتشارًا قبل 60 سنة سابقة، حيث كانت تمتد في مساحات أوسع على امتداد سواحل الشرقية، بدءًا من سيهات مرورًا بشاطئ عنك وجزيرة تاروت والعوامية، وحتى شواطئ صفوى، في حين أن جزيرة تاروت تحتوي على أهم وأكبر غابات المانجروف التي كانت تغطي مساحة 4.27 كلم مربع، وقد فقدت 47% من مساحتها بسبب التوسع العمراني، ويقدر المتبقي من مانجروف تاروت بمساحة 2.25 كلم مربع موجودة في شرق وشمال الجزيرة.
جندي الطبيعة
وصفت منصة شركة أرامكو السعودية أشجار المانجروف بأنها «جندي الطبيعة» البيئي، مبينة أنها واحدة من أقوى الأنظمة البيئية الطبيعية، فهي توفر موائل طبيعية وفيرة الغذاء للنباتات والطيور ومناطق تحتضن الحياة البحرية وتدعم المجتمعات البحرية التي تعتمد على هذه الأنظمة البيئية المنتجة في تأمين غذائها ورفاهيتها.
وتضرب هذه الأشجار بمجموعها الجذري شديد التشابك في أعماق التربة لتمنع الانجرافات الساحلية بفعل الأمواج وهبوب العواصف العاتية، مما يعمل كوسيلة للتكيف مع تأثيرات تغير المناخ، وتتميز أشجار المانجروف، مقارنة بالأشجار الأخرى، بقدرة خارقة على إزالة ثاني أكسيد الكربون (CO2) بسرعة من الغلاف الجوي للكوكب.
وأظهرت الدراسات البيئية أن أشجار المانجروف تفصل الكربون بسرعة تصل إلى عدة أضعاف مقارنة بالنباتات الأرضية ولفترات أطول أيضًا، وعند تقييمها مقارنة بالغابات الاستوائية، وُجد أن أشجار المانجروف تخزن الكربون بخمسة أضعاف قدرة تلك النباتات، وتقدر أرامكو بأن أشجار المانجروف تفصل ما يبلغ 1.5 طن متري من الكربون على مدى متوسط عمرها الذي يبلغ 60 عامًا.
وعن ذلك قال المستشار البيئي لأرامكو، رونالد لفلاند إن «النمو المتزايد للساحل الشرقي للمملكة أدى إلى خسارة 90% من أشجار المانجروف، ألا أن المناطق التي تعمل فيها أرامكو تشمل معظم الأعداد الأخيرة المتبقية من غابات المانجروف القديمة النامية والسليمة في الخليج العربي».
ويوضح «إن إعادة تكوين القدرة الهائلة لغابات المانجروف يعيد التنوع البيئي والمنافع الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي يقلل طبيعيًا من الانبعاثات ويعمل على استدامة حياة الإنسان».
مبادرات خضراء
أعلن المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر في المملكة عن توقيع 4 عقود لإنتاج وزراعة أكثر من مليوني شجرة مانجروف على السواحل الشمالية للبحر الأحمر وجنوبه والخليج العربي، وتسعى المملكة إلى توفير شكل من أشكال الدفاع الساحلي ومنع تآكل الشواطئ فضلاً عن توفير أماكن تنزه، باستغلال زراعة كميات كبيرة من أشجار المانجروف، كما أن برنامج أرامكو السعودية لاستعادة غابات المانجروف إلى شواطئ المملكة ذات الرمال البيضاء هو أحد البرامج البارزة والحيوية لحماية الأرض.
وكانت أرامكو السعودية بدأت في زراعة أول شتلات المانجروف في عام 1993، وكانت المبادرة جزءًا من دراسة قام بها معهد البحوث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لإعادة زراعة غابات المانجروف على شواطئ الخليج العربي، وتماشيًا مع مبادرة السعودية الخضراء، تلعب أرامكو السعودية دورًا بالغ الأهمية في تعزيز النظم البيئية لغابات المانجروف، وذلك بهدف زراعة ما مجموعه 44 مليون شجرة مانجروف بحلول عام 2025.
مبادرة نموذجية
تعد مبادرة الحفاظ على غابات المانجروف وزيادتها واستزراعها أمرًا نموذجيًا لإنتاج أجود أنواع العسل، ويقول نائب مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمنطقة الشرقية، المهندس خالد الحمادي، إن جهود المملكة في دعم النحالين وفق الرؤية الجديدة أثمرت بشكل مميز في تسليط الضوء على هذا العمل المهم الذي يرفع من مستوى التوازن البيئي بفضل التكامل في منظومة العمل الذي تعاونت فيه عدد من الجهات مع وزارة البيئة والمياه والزراعة، وما زال هناك كثير من التطلعات لدعم المواطنين، وتأهيلهم وتشجيعهم لتربية النحل وإنتاج أجود أنواعه.
أنواع العسل في المناطق
جازان:
السدر
القتاد
السلام والسمرة
الدوم
الضهيان
الطلح والمرار
المجرى
السحاة
المنطقة الشرقية
السدر
زهر الربيع
المانجروف
الطلح